ولما كان المتواضع ربما نسب إلى الكسل، نفى ذلك عنهم بقوله مبيناً بما تضمنته الاية السالفة من خوفهم :﴿تتجافى﴾ أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه الإظهار، وبشر بكثرتهم بالتعبير بجمع الكثرة فقال :﴿جنوبهم﴾ بعد النوم ﴿عن المضاجع﴾ أي الفرش الموطأة الممهدة التي هي محل الراحة والسكون والنوم، فيكونون عليها كالملسوعين، لا يقدرون على الاستقرار عليها، في الليل الذي هو موضع الخلوة ومحط اللذة والسرور بما تهواه النفوس، قال الإمام السهرودي في الباب السادس والأربعين من عوارفه عن المحبين : قيل : نومهم نوم الفرقى، وأكلهم أكل المرضى، وكلامهم ضرورة، فمن نام من غلبة بهمّ مجتمع متعلق بقيام الليل وفق لقيام الليل، وإنما النفس إذا طعمت ووطنت على النوم استرسلت فيه، وإذا أزعجت بصدق العزيمة لا تسترسل في الاستقرار، وهذا الإزعاج في النفس بصدق العزيمة هو التجافي الذي قال الله، لأن الهم بقيام الليل وصدق العزيمة يجعل بين الجنس والمضجع سواء وتجافياً.
٥٧
ولما كان هجران المضجع قد يكون لغير العبادة، بين أنه لها، فقال مبيناً لحالهم :﴿يدعون﴾ أي على سبيل الاستمرار، وأظهر الوصف الذي جرأهم على السؤال فقال :﴿ربهم﴾ أي الذي عودهم بإحسانه : ثم علل دعاءهم بقوله :﴿خوفاً﴾ أي من سخطه وعقابه، فإن أسباب الخوف من نقائهم كثيرة سواء عرفوا سبباً يوجب خوفاً أو لا، فهم لا يأمنون مكره لأن له أن يفعل ما يشاء ﴿وطمعاً﴾ أي في رضاء الموجب لثوابه، وعبر به دون الرجاء إشارة إلى أنهم لشدة معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئاً بل يطلبون فضله بغير سبب، وإذا كانوا يرجون رحمته بغير سبب فهم مع السبب أرجى، فهم لا ييأسون من رحمه.