ولما كان إنزال الماء مما استأثر به سبحانه، فهو من أعظم الأدلة على عظمة الواحد، صرف القول إلى مظهر العظمة فقال :﴿فإذا أنزلنا﴾ بما لنا من القدرة التامة والعظمة ﴿عليها الماء﴾ من الغمام أو سقناه إليها من الأماكن العالية وجلبنا به إليه من الطين ما تصلح به للانبات وإن كانت سبخة كأرض مصر ﴿اهتزت﴾ أي تحركت حركة عظيمة كثير سريعة، فكانت كمن يعالج ذلك بنفسه ﴿وربت﴾ أي تشققت فارتفع ترابها وخرج منها النبات وسما في الجو مغطياً لوجهها، وتشعبت عروقه، وغلظت سوقه، فصار يمنع سلوكها على ما كان فيه من السهولة، وصار بحسن زيه بمنزلة عليها فطرها بمياه المعارف فظهرت فيها بركات الندم وعفا عن أربابها ما قصروا في صدق القدم وأشرقت بحلى الطاعات وزهت بملابس القربات، وزكت بأنواع التجليات.
ولما كان هذا دليلاً مشاهداً على القدرة على إيجاد المعدوم، وإعادة البالي المحطوم، أنتج ولا بد قوله مؤكداً لأجل ما هم في من الإنكار صارفاً القول عن مظهر
٥٧٧
العظمة إلى ما ينبه على القدرة على البعث ولا بد :﴿إن الذي أحياها﴾ بما أخرج من نباتها الذي كان بلي وتحطم وصار تراباً ﴿لمحيي الموتى﴾ كما فعل بالنبات من غير فرق.
ولما كانوا مع إقرارهم بتمام قدرته كأنهم ينكرون قدرته لإنكارهم البعث قال معللاً مؤكداً :﴿أنه على كل شيء قدير*﴾ لأن الممكنات متساوية الأقدام بالنسبة إلى القدرة، فالقادر قدرة تامة على شيء منها قادر على غيره.


الصفحة التالية
Icon