ولما وصف الذكر بأنه لا يصح ولا يتصور أن يلحقه نقص، فبطل قولهم ﴿لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه﴾ ونحوه مما مضى وحصل الأمن منه، أتبعه التسلية مما يلحق به من الغم ليقع الصبر على جميع أقوالهم فقال :﴿ما يقال لك﴾ أي يبرز إلى الوجود قوله سواء كان في ماضي الزمان أو حاضره آو آتيه من شيء من الكفار أو غيرهم يحصل به ضيق صدر أو تشويش فكر من قولهم ﴿قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه﴾ إلى آخره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٧٩
وغير ذلك مما تقدم أنهم قالوه له متعنتين به ﴿إلا ما﴾ أي شيء ﴿وقد قيل﴾ أي حصل قوله على ذلك الوجه ﴿للرسل﴾ وأن لم يقل لكل واحد منهم فإنه قيل للمجموع، ونبه على أن ذلك ليس لمستغرق للزمان بل تارة وتارة بإدخال الجار في قوله :﴿من قبلك﴾ ولما حصل بهذا الكلام ما أريد من التأسية، فكان موضع التوقع لهم أن يحل بهم ما حل بالأمم قبلهم من عذاب الاستئصال، وكان ﷺ شديد الشفقة عليهم والمحبة لصلاحهم، سكن سبحانه ورعه بالإعلام بأن رحمته سبقت غضبه فقال مخوفاً مرجياً لأجل إنكار المنكرين :﴿إن﴾ وأشار إلى مزيد رفعته بذكر صفة الإحسان وإفراد الضمير فقال :﴿ربك﴾ أي المحسن إليك بأرسالك وإنزال كتابه إليك، ومن أكرم بمثل هذا لا ينبغي له أن يحزن لشيء يعرض ﴿لذو مغفرة﴾ أي عظيمة جداً في نفسها وزمانها ومكانها لمن يشاء منهم، فلا يقطع لأحد شقاء.


الصفحة التالية
Icon