﴿فيؤوس﴾ أي عريق في اليأس، وهو انقطاع الرحاء والأمل والحزن العظيم والقطع بلزوم تلك الحالة بحيث صار قدوة في ذلك ﴿قنوط*﴾ أي مقيم في دار انقطاع الأمل والخواطر الرديئة، فهو تأكيد للمعنى على أحسن وجه وأتمه، وهذا هو ما طبع عليه الجنس، فمن أراد الله به منهم خيراً عصمه، ومن أراد به شراً أجراه مع الطبع فكان كافراً، وهو أن ينقطع رجاؤء من الخير، والقنوط أن يظهر عليه آثار اليأس فيتضاءل وينكسر، وبدأ بصفى القلب لأنها عي المؤثرة فيها يظهر على الصورة من الانكسار.
ولما دل ذلك على عظيم جهله وغلبة أفكاره الرديئة على عقله، أتبعه تأكيداً لذلك ما يدل على أن حاله بعد هذا اليأس الذي قطع فيه ملزوم الشر وامتناع حصول الخير أنه لو عاودته النعمة بغتة من وجه لا يرجوه، وليس له دليل على ما دوامها وانصرافها لعاد إلى البطر والكبر والأشر، ونسي ما كان فيه من الشدة، فقال مسنداً إلى نفسه الخير بعد أن ذكر الشر، ولم يسنده إليه تعليماً للأدب معبراً بمظهر العظمة تنبيهاً على أن ذلك من جليل التدبير ﴿ولئن أذقناه﴾ أي الإنسان الذي غلبت عليه حالة الأنس بنفسه حنى أسفلته عن أبناء جنسه إلى رتبة الحيوانات العجم بل دونها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٨٦


الصفحة التالية
Icon