الجمع بعد المحو والفرق وكان حرف الشفة من بين حروفها الميم، وهي ذات الدائرة المستوية الاستداؤة إشارة إلى أن لأهل هذا الدين من الاجتماع فيه والانطباق عليه والإطافة به والإسراع من الفم المختتم بالشفتين ما لا يبلغه غيرهم بحيث أنه لا نهاية له مع حسن استنارته بتناسب استدارته، ثم إنك إذا بلغت نهاية الجمع في هذه الأحرف بأن جمعت أعداد مسمياتها وهو مائتان وثمانية وسبعون وفي السنة الموافقة لهذه العدد كانت ولادتي، فكان الابتداء في هذا الكتاب الديني في شعبان كان سني قد شارف أربعاً وستين سنة، وهو موافق لعدد حرفي ﴿دن﴾ أمراً من الدين الذي هو مقصود السورة، فكأنه أمر إذ ذاك بالشروع في الكتاب ليحصل مقصودها، وسنة وصولي إلى هذه السورة وهي سنة إحدى وسبعين في شعبان منها كان سني قد شارف أربعاً وستين سنة، وهو عدد موافق لعدد أحرف ﴿دين﴾ الذي هو مقصود السورة، فأنا أرجو بهذا الاتفاق الغريب أن يكون ذلك مشيراً إلى أن الله تعابى يجمع بكتابي هذه الذي خصني بإلهامه وادخر لي المنحة بحله وإبرامه، واعتناقه والتزامه، أهل هذا الدين القيم جمعاً عظيماً جليلاً جسيماً، يظهر له أثر بالغ في اجتماعهم وحسن تأسيهم برؤوس نقلته وأتباعه، ومن الآثار الجليلة في لحظها للجمع أنه لما كان مقصود سورة مريم عليها السلام بيان اتصاف الرحمن، المنزل لهذا القرآن، بشمول الرحمة لجميع الأكوان، وكانت هذه السورة لرحمة خاصة من آثار تلك الرحمة العامة، وهي الاجتماع على هذا الدين المراد ظهوره وعلوه على كل دين وقهره لكل أمر، فكان لذلك محيطاً قاهراً لحظ كل قاهر وظالم، وكانت هذه الرحمة الخاصة - لنسبتها إلى الخلق - ثانية لتلك العامة ومنشعبة منها، وكانت لكونها من أوصاف الخلق الخلق بمنزلة اليسار، وتلك لكونها من صفة الحق بمنزلة اليمين، لذلك - والله أعلم - قال الاستاذ أبو الحسن الحرالي في كتاب له من الحرف : ولما كان ذلك - أي هذه الأسم المجتمع من هذه أصابع


الصفحة التالية
Icon