مرة واحدة فقال معبراً بالماضي الدال على الإمضاء والقطع والقضاء الحتم في كل من الإيحاء وفائدته التي هي الأنذار، عاطفاً على ما يتصل بالآية السالفة المختومة بنفي الوكالة مما تقديره : إنما عليك البلاغ بالبشارة والنذارة، وقد أوحينا إليك البشارة رمزاً، كما جرت به عادة الأحباب في محاورات الخطاب، ولفت القول إلى مظهر العظمة لأن الإنذار من مجازه :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ذلك الإيحاء الذي قدمنا أنا حبوناك به من وحي الإشارة بالحروف المقطعة ﴿أوحينا﴾ بما لنا من العظمة مع الفرق بين كل ملبس ﴿إليك قرآناً﴾ جامعاً لكل حكمة ﴿عربياً﴾ فهو بين الخطاب واضح الصواب معجز الجناب ﴿لتنذر﴾ أي به ﴿أم القرى﴾ مكة التي هي أم الأرض وأصلها، منها دحيت ولشرفها أوقع الفعل عليها، عدا لها عداد العقلاء، ثم بين أن المراد أهلها بقوله :﴿ومن﴾ أي وتنذر من ﴿حولها﴾ وهم سكان جميع الأرض التي هي امها، وبذلك فسره البغوي فقال : قرى الأرض كلها، وكذا القشيري وقال : العالم محدق بالكعبة ومكة لأنها سرة الأرض.
ولما كان مفعول ﴿تنذر﴾ الثاني على ما هدى إليه السياق ما عذبت به الأمم السالفة والقرون الماضية حين تمادى بهم الكفر وغلب عليهم الظلم في اتخاذهم أولياء من دون الله، عطف عليه :﴿وتنذر﴾ أي أم القرى ومن حولها مع عذاب الأمم في الدنيا ﴿يوم الجمع﴾ أي لجميع الخلائق ببعثهم من الموت، حذف المفعول الأول من الشق الثاني، والمفعول الثاني من الأول، فالآية من الاحتباك : ذكر المنذرين أولاً دلالة على إرادتها ثانياً، وذكر المنذر به وهو يوم الجمع ثانياً دلالة على المنذر به من عذاب الأمم أولاً، ليذهب به الوهم في المحذوف كل مذهب، فيكون أهول، وذكر هذا المذكور أفخم وأوجل.


الصفحة التالية
Icon