ولما ذكر سبحانه ما شق العدم بإيجاده من غير سبب أصلاً، أتبعه ما سببه عن ذلك فأنشأه من العناصر التي أبدعتها يد القدرة في الخافقين، فقال معبراً بالفعلية تذكيراً بما يوجب لهم الاعتراف بما اعترف به نبيه ﷺ من أنه وحده ربه لا شريك له في ذلك، فيوجب التوكل عليه وحده :﴿جعل لكم﴾ أي بعد أن خلقكم من الأرض ﴿من أنفسكم أزواجاً﴾ يكون بالسكون إليها بقاء نوعكم، ولما كانت الأنعام ومنافعها لأجلنا قال :﴿ومن﴾ أي وجعل لكم من ﴿الأنعام﴾ الي هي أموالكم وجمالكم وبها أعظم قوامكم ﴿أزواجاً﴾ أي من انفسها، يكون بها أيضاً بقاء نوعها، وكذا جميع الحيوانات، ومعنى قوله مغلباً العقلاء :﴿يذرؤكم﴾ أي يخلقكم ويكثركم ولما كان الأزواج في غاية المحبة للزواج بحيث إنه مستول على القلوب، كان كأنه محيط بهم فقال :﴿فيه﴾ أي في ذلك التزاوج بحيث يجعلكم مولعين به، من قوله ذراه : خلقه وكثره وأولعه بالشيء، فيكون لكم في الأزواج من البشر نطفاً وجمالاً وولادة، وفي الأنعام غذاء وشراباً واكلاً، وغير ذلك مما لكم فيه من المنافع، ولا تزالون في هذا الوجه والتزاوج نسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٠٤


الصفحة التالية
Icon