ولما تقرر في الأوهام وثبت في كثير من الأذهان أنه لا يكون شيء إلا بسبب التزواج، كان ربما سرى شيء من هذا الوهم في حق الخالق سبحانه فنفاه على أبلغ وجه بقوله : استئنافاً في جواب من يسأل عنه :﴿ليس﴾ وقدم الخبر لأن المراد نفيه فأولاه النافي دلالة على شدة العناية بنفسه فقال :﴿كمثله﴾ أي مثل نفسه في ذاته ولا في شيء من صفاته :﴿شيء﴾ يزاوجه أو يناسبه، وكل ما اتخذتموه ولياً من دونه، فله ما يزاوجه ويماثله، فالمراد بالمثل هنا النفس وهو أصله وحقيقته في اللغة من قولهم : مثل الرجل يمثل - إذا قام وانتصب، قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي : والمثل يكون هو الحديث نفسه ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون﴾ [الرعد : ٣٥] فمثلها هو الخبر عنها، وقيل : المثل ههنا الصفة ﴿ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم﴾ [البقرة : ٢١٤] أي صفتهم، نقل ذلك الهروي ونقل عن أبي عبد الله القزاز قوله :﴿ضرب مثل فاستمعوا له﴾ [الحج : ٧٣] كذلك، لأنه قال :﴿إن الذي تدعون﴾ الآية فصار الخبر عن ذلك هو المثل، قال : وهو على أصل ما ذكرنا أن مثل الشيء صفته وصورته، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ﴿مثال﴾ وقرأ ﴿أمثال الجنة التي وعد المتقون﴾ ثم قال : وهذا كله يدل على أن معنى ﴿مثل﴾ صفة صورة، قال أبو عبد الله : مثلت له الشيء تمثيلاً : صورته له حتى كأنه ينظر إليه، وفي الحديث :"مثلت لي الجنة والنار" انتهى.
٦٠٦
في القاموس : المثل - بالكسر والتحريك وكأمر : المشبه، والمثل محركة : الحجة والحديث والصفة، والمثيل : المقدار والقصاص وصفة الشيء والفراش، جمعه أمثلة ومثل، والتمثال - بالكسر : الصورة ومثل قائماً : قام منتصباً كمثل بلاضم مثولاً - انتهى.
وفي شمس العلوم : والعرب تقيم المثل مقام النفس فتقول : مثلي لا يقول هذا أي أنل انتهى.


الصفحة التالية
Icon