فقد بان أن المثل بالإسكان والتحريك واحد، وأنه في الأصل عبارة عن نفس الشيء وصورته، ثم شاع فيما يشابهه، فمعنى مثل أي انتصب تشكل وتصور فكانت له صورة وشكل لأن بالانتصاب تتحقق صورته وتظهر، وكذا مثل بمعنى لصق الأرض وإن كان ظهوره بالقيام أوضح، وكذا مثل بمعنى لصق الأرض وإن كان ظهوره بالقيام أوضح، وكذا مثل إذا زال عن مكانه لأنه حصل الانتصاب أو اللصوق، وزاد الانتقال، ويوضح ذلك قولهم : مثله له - إذا صوره حتى كأنه ينظر إليه، فعلم قطعاً أن معنى الآية ما قلته، وأنه لو قيل ﴿ليس كمثله شيء﴾، من غير كاف، لربما قال بعض أهل التعنت : هذا معناه أنه ليس شيئاً، لأنا قد علمنا أن المثل هو الشيء، وقد كانوا يتعنتون بدون هذا، لأنه يؤدي إلى محالين هما في غاية الضمور يحاشى عن أحدهما فكيف إذا اجتمعا من له أدنى حكمة فكيف بأحكم الحكماء، أحدهما أن له مثلاً، والثاني أن مثله لا مثل له مع الحكم بأنه مثله، وذلك تناقض ظاهر يتعالى الله عن إرادة مثله علواً كبيراً - والله الموفق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٠٤
ولما كان قد أبطن نفسه سبحانه بهذا التنزيه إبطاناً عظيماً، وكان هذا الإعراق في البطون لا تحتمله العقول، فلا يؤمن عليها النزوع إلى التعطيل، قربه بنوع ظهور بذكر ما نعقله من الأوصاف بعد الأمن من التشبيه لمن يأمل الكلام، وحكم العقل وطرد الوهم، فأتى بأوضح ما نحسه من أوصافنا.