واظهره مع استلزامه لبقية الصفات فقال :﴿وهو﴾ أي والحال أنه لا غيره ﴿السميع البصير*﴾ أي الكامل في السمع والبصر والعلم من البصر والبصيرة، ومن المقطوع به أن ذلك لا يكون على وجه الخصوص إلا بالوحدانية والحياة والقدرة والإرادة والكلام، فاستوفت هذه الآية ما لوح إليه العاطف فيب قوله " وما اختلفتم " بعد ما صرح به، فالله هو الولي من أصول الدين بالصفات السبع على أتم وجه - والله الموفق، قال الحرالي : السمع إدراك ألطف المثلين وهو الاسم، والصر إدراك أظهر المثلين وهو الصورة، وبالحق سبحانه بدأ كل مثل لطيف فهو السميع بالحقيقة أن
٦٠٧
لا يسمع ما هو مبتدئ ألطف مثيله، أو لا يبصر ما هو مبدئ أظهر مثيله، ولما كان سبحانه وتعالى عليماً بأمثال البادئات قبل كونها كان سميعاً لها بصيراً لها قبل كونها، وإنما يستجد السمع والبصر من يتبع علمه إدراك حسه، لا من هو دائماً سميع بصير بما هو دائماً عليم، فهو سبحانه يسمع الأشياء وإن لم تتسم، ويراها وإن لم تتصور، رؤيته لها وسمعه في خلقها وبريها وتصويرها رؤية دائمة وسمع دائم، والخلق لا يرون الشيء قبل تصوره ولا يسمعونه قبل تكلمه - انتهى.
فقد صرحت الآية بتنزيهه عن مساوٍ في شيء ما، فمن ادعى لأحد مساواته في شيء من صفاته علم أو غيره فقد أشرك به في تلك الصفة وهو أشد ملامة من المشرك بالصنم ونحوه من المخلوقات لأن إشراك هذا ظاهر الوهي واضح الخلل بين السفسفة، وإشراك الأول خفي لا يقدر على حله إلا راسخ وإن كان كل منهما يصير إلى الركاكة والهذيان لأنه لا يسوغ في عقل أن يكون أحد شريكاً لأحد في شيء إلا وهو مساوٍ له في حقيقة الذات، وصالح في الجملة لأن يقوم مقامه في جميع الصفات، فإياك ثم إياك من مزلة ربما استغوى بها الشيطان بعض من يريد الترقي في درجات العرفان، ليخرجه من جميع الأديان.


الصفحة التالية
Icon