﴿ويهدي إليه﴾ بالتوفيق للطاعة ﴿من ينيب*﴾ أي فيه أهلية لأن يحدد الرجوع إلى مراتب طاعاته كل حين بباطنه بعد الرجوع بظاهر إلى ما كتبه له من الدرجات كأنه كان الوصول إليها قد نزل عنها وهو بترقيه في المنازلات بأحوال الطاعات يرجع إليها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٠٤
ولما كان المراد بالمشركين مع عباد الأوثان أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله لقبولهم منهم التحليل والتحريم، وكان ذلك مفهماً لأنهم فارقوا أهل الطاعة، وكان ذلك موهماً لأنهم ما فارقوهم إلا عن جهل، قال عاطفاً على ما تقديره : فأتى الرسل إلى الناس فأقاموا لهم الدين وبينوا لهم غاية التبيين فاجتبى الله بعضهم وأضل بعضهم فافترقوا :﴿وما تفرقوا﴾ أي المشركين من قبلكم من أهل الكتاب وغيرهم في أديانهم ﴿إلا﴾ وأدخل الجار لعدم استغراق الزمان فقال :﴿من بعد ما جاءهم﴾ أي على ألسنة أنبيائهم الذين لم يدعوا لبساً ﴿العلم﴾ أي بما لا يسوغ معه التفرق ومنه أن الفرقة ضلالة، وأشار الجار أيضاً إلى أن التفرق كان مع العلم لم يكن طال الزمان فترطق إلى علمهم نسيان كل ذلك بياناً لعظيم قدرة الله تعالى في تصرفه في القلوب، فإياكم أن يكون حالكم كحالهم فليشتد خوفكم لربكم ورجاءكم له.
ولما ترك طريق العلم عجباً ومستبعداً، قال مبيناً أن الذي حملهم على ذلك حظوظ الأنفس التي لا نجاة منها إلا بعصمة الله تعالى :﴿بغياً﴾ أي حال كون تفرقهم عداوة ولا شبهة فيها هي بينة الظلم لأجل الأنفس واتباع الأهواء التي يجب على العبد البعد عنها بأن لا تكون له إرادة أصلاً بل تكون إراداته تابعة لأمر مولاه.
ولما كان مطلق البغي منافياً لمكارم الأخلاق، فكان ارتكابه عجباً، زاد في التعجب منه ببيان أن البغي لم يعد جماعتهم إلى غيرها، بل كان خاصاً بها، فقال :﴿بينهم﴾.


الصفحة التالية
Icon