ولما كان تأنيث الساعة غير حقيقي لأنها بمعنى الوقت، ذكرها فقال :﴿قريب*﴾ فأفهم ذلك أنها ذات الشدائد وأن شدائدها ذكور الشدائد وأن قربها أسرع من لمع البرق لما له من الثبات في الحق، أو ذكرها على إرادة السبب أي ذات قرب، أو على حذف مضافة أي مجيئها، وعلى كل حال فهو دال على تفخيمها أي إنك بمظنة من قرب القيامة، فيقع بهم ما توعدوا به مما ينبغي الإشفاق منه، فيظهر فيها العدل بموازين القسط لجميع الاعمال ظهوراً لا يتمارى فيه أحد فيشرف من وفى، ويخزي من جار وجفا.
ولما تصور بهذا قربها مشاراً بالتعبير بلعل إلى أن حال المستعجل بها حال المترجي لشيء محبوب وهو جهل منه عظيم، شرع في تفصيل الناس في أمرها فقال مشيراً إلى أنه ينبغي للعاقل الاستعداد لها للخلاص في وقتها لظهور دلائلها من غير بحث عن قربها أو بعدها، فغنه لا بد من كونها ﴿يستعجل بها﴾ أي يطلب أن تكون قبل الوقت المضروب لها ﴿الذين لا يؤمنون بها﴾ أي لا يتجدد لهم ذلك أصلاً وهم غير مشفقين منها ويظنون أنها الباطل، وكان الحال يقتضي أن يكونوا أنفر الناس منها لكن حملهم على ذلك تكذيبهم بها واستهزاؤهم وظنهم عدم كونها جهلاً ممن هم معترفون بقدرته وعلوه وعظمته.
ولما دل على جهل الكافرين، دل على أضدادهم فقال :﴿والذبين آمنوا﴾ وإن كانوا في أول درجات الإيمان ﴿مشفقون﴾ أي خائفون خوفاً عظيماً ﴿منها﴾ لأن الله هداهم بإيمانهم، فصارت معادن المعارف، وقلوبهم منابع الأنوار، فأيقنوا بما فيها من الأهوال الكبار، فخافوا للطافتهم أن يكونوا مع صلاحهم من أهل النار.
ولما قدم الإشفاق تنبيهاً على أن العاقل ينبغي أن يخشى ما يمكن وقوعه، قال :﴿ويعلمون أنها الحق﴾
٦١٧
إعلاماً بأنهم على بصيرة من أمرها، فهم لا يستعجلون بها، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستعجال أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً، والإشفاق ثانيا دليلاً عل حذف ضده اولاً.