ولما كان الكلام في الذين ظلمهم صفة راسخة لهم، كان من المعلوم أن كل عملهم عليهم، فلذلك عبر بفعل الكسب مجرداً فقال :﴿مما كسبوا﴾ أي عملوا معتقدين لأنه غاية ما ينفعهم ﴿وهو﴾ أي جزاءه ووباله الذي هو من جنسه حتى كأنه هو ﴿واقع بهم﴾ لا محالة من غير أن يزيدهم خوفهم إلا عذاباً في غمرات النيران، ذلك هو الخسران المبين، ذلك الذي ينذر به الذين ظلموا ﴿والذين آمنوا﴾ يصح أن يكون معطوفاً على مفعول ﴿ترى﴾ وأن يكون معطفوفاً على جميع الجملة فيكون مبتدأ ﴿وعملوا الصالحات﴾ وهي التي أذن الله فيها غير خائفين مما كسبوا لأنهم مأذون لهعم في فعله وهو مغفور لهم ما فطروا فيه ﴿في روضات الجنات﴾ أي في الدنيا بما يلذذهم الله به من لذائد الأقوال والأعمال والمعارف والأحوال، وفي الاخرة حقيقة بلا زوال ﴿لهم ما يشاؤون﴾ أي دائماً أبداً كائن ذلك لكونه في غاية الحفظ والتربية والتنبيه على مثل هذا الحفظ لفت إلى صفة الإحسان، فقال :﴿عند ربهم﴾ أي الذي لم يوصلهم إلى هذا الثواب العظيم إلا حسن تربيته لهم، ولطف بره بهم على حسب ما رباهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٢٠
ولما ذكر ما لهم من الجزاء عظمه فقال :﴿ذلك﴾ أي الجزاء العظيم الرتبة الجليل القدر ﴿هو﴾ لا غيره ﴿الفضل﴾ أي الذي هو أهل لأن يكون فاضلاً عن كفاية صاحبه، ولو بالغ في الإنفاق ﴿الكبير*﴾ الذي ملأ جميع جهات الحاجة وصغر عنده كل ما ناله غيرهم من هذا الحطام، فالآية كما ترى من الاحتباك : أثبت الإشفاق أولاً دليلاً على حذف الأمن ثانياً، والجنات ثانياً دليلاً على حذف النيران أولاً.
ولما ذكر محلهم ومآلهم فيه، بين دوامه زيادة في تعظيمه فقال مبتدئاً :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الجنة ونعيمها، وأخبر عن المبتدأ بقوله :﴿الذي يبشر﴾ أي مطلق
٦٢٢