عنه العقول، فكان كل شيء دونه، فكان قادراً على كل شيء قال :﴿وما لكم﴾ أي عند الاجتماع فكيف عند الانفراد.
ولما كانت الرتب في غاية السفول عن رتبته والتضاؤل دون حضرته، أثبت الجار منبهاً على ذلك فقال :﴿من دون الله﴾ أي المحيط بكل شيء عظمة وكبراً وعزة، وعم بقوله :﴿من ولي﴾ أي يكون متولياً لشيء من أموركم بالاستقلال ﴿ولا نصير *﴾ يدفع عنكم شيئاً يريده سبحانه بكم.
ولما دل سبحانه على تمام قدرته واختياره وختم بنفسي الشريك اللازم للوحدانية التي اعتقادها أساس الأعمال الصالحة، دل عليها بأعظم الآيات عندهم وأوضحها في أنفسهم وأقربها إلى إفهامهم لما لهم من الإخلاص عندها فقال تعالى :﴿ومن آياته﴾ أي الدالة على تمام قدرته واختياره ووحدانيته وعظيم سلطانه تسخيره وتذليله لسير الفلك فيه حاملة ما لا يحمله غيرها، وهو معنى قوله :﴿الجوار﴾ أي من السفن، وهي من الصفات التي جرت مجرى الأعلام، ودل على الموصوف ما بعده فلذلك حذف لأن القاعدة أن الصفة إذا لم تخص الموصوف امتنع حذفه فنقول : مررت بمهندس، ولا تقول : مررت بماشٍ - إلا بقرينة كما هنا.
ولما كانت ثقيلة في أنفسها، وكان يوضع فيها من الأحمال ما يثقل الجبال، وكان كل ثقيل ليس له من ذاته إلا الغوص في الماء، كانت كأنها فيه لا عليه لأنها جديرة بالغرق فقال تعالى محذراً من سطواته متعرفاً بجليل نعمته معرفاً بحقيقة الجواري :﴿في البحر كالأعلام *﴾ أي الجبال الشاهقة بما لها من العلو في نفسها عن الماء ثم بما يوصلها وما فيه من الشراع عليها من الارتفاع، وقال الخليل : كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٣٢


الصفحة التالية
Icon