ولما كان من المعلوم أنهم يقولون عند إتيانه جرياً على عادة جهلهم : ما هذا ؟ أجيبوا بقوله تعالى حكاية عن لسان الحال، أو قول بعضهم أو بعض أولياء الله :﴿هذا عذاب أليم﴾ يخلص وجعه إلى القلب فيبلغ في ألمه بما كنتم تؤلمون دعائكم إلى الله برد مقولهم والاستخفاف باغتراركم بكثرة العدد والقوة والمدد.
ولما كان كأنه قيل : فما قالوا حين تحققوا ذلك ؟ قيل : قالوا وقد انحلت عرى تلك الغزائم، ووهت تلك القوى من كل عازم، وسفلت بعد العو تلك الشوامخ من الهمم مدعين أنهم لغاية الإذعان من أهل القرب والرضوان :﴿ربنا﴾ أي أيها المبدع لنا والمحسن إلينا ﴿اكشف عنا العذاب﴾ ثم عللوا ذلك بما علموا أنه الموجب كشفه، فقالوا مؤكدين لما لحالهم من المنافاة لخبرهم :﴿إنا مؤمنون﴾ أي عريقون في وصف الإيمان واصلون إلى رتبة الإيقان، وهذا يصح أن يراد به بعد طلوع الشمس من مغربها، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"لا تقوم الساعة حتى تطلع اشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها" ثم قرأ الآية، وإن كان المراد بالعذاب ما حصل من القحط كان هذا الإيمان على سبيل الوعد.
ولما كان كشف الآيات وإظهار العذاب لا يفيد في الدلالة على الحق أكثر مما أفاده الرسول ﷺ بما أقامه من المعجزات بل إفادة الرسول أعظم، أجيب من كأنه سأل عن حالهم عند ذلك بقوله معرضاً عن خطابهم، إيذاناً بدوام مصابهم، لئلا يظن أنه ما كشف عنهم العذاب إلا لظن أنهم صادقون :﴿أنى﴾ أي كيف ومن أين ﴿لهم الذكرى﴾ أي هذا التذكر العظيم الذي وصفوا به أنفسهم ﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿جاءهم﴾ ما هو أعظم من ذلك بما لا يقاس ﴿رسول مبين﴾ أي ظاهر غاية الظهور أنه رسولنا، وموضح غاية الإيضاح لما جاء به عنا بما أظهر من الآيات، وغير ذلك من الدلالات.