ولما كان الإعراض عنه مع ماله من العظمة بالبيان استخفافاً به وبمن جاء من
٦٨
بعده، أشار إلى ذلك بأداة التراخي فقال :﴿ثم﴾ أي بعد ما له من عليّ الرتبة في نفسه وبالإضافة إلى من أرسله.
ولما كانت الفطر الأولى داعية إلى الإقبال على الحق، نازعة إلى الانقطاع إلى الله والعكوف ببابه، واللجاء إلى جنابه، إلا بجهد من النفس في النفور وعلاج دواعي الثبور، أشار إلى ذلك بالتعبير بصيغة التفعل فقال :﴿تولوا عنه﴾ أي أطاعوا ما دعاهم إلى الإدبار عنه من دواعي الهوى ونوازع الشهوات والحظوظ ﴿وقالوا﴾ أي زيادة على إساءتهم بالتولي :﴿معلم﴾ أي علمه غيره من البشر ﴿منون﴾ فلم يبالوا باتناقض البين الأمر، وهذا يدل على أن من لا يبالي بعرضه ولا حياء له لا طيب لدائه لأنه لا وجود لدوائه، وأنه إذا مس بما يلينه ويرده ويهينه لا يؤمن من رجوعه إلى الحال السيىء عند كشف ذلك الضر عنه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٦
ولما لفت سبحانه الخطاب عنهم إهانة لهم، بين أن سببه أن داءهم عضال، فليس به أبداً زوال، فقال مؤكداً لاستبعادهم زوال ما هم فيه :﴿إنا﴾ أي على ما لنا من العظمة بالعلم المحيط وغيره ﴿كاشفوا العذاب﴾ أي عنكم بدعاء رسولكم صل الله عليه وسلم في القول بأن الدخان ما كانوا يرونه بسبب الجوع من القحط ﴿قليلاً﴾ إقامة للحجة عليكم لا لخفاء ما في ضمائركم علينا.