ولما كان التقدير : لفقد فتناهم بإرسالك إليهم ليكشف ذلك لمن لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه عما نعلمه في الأزل، وفيما لا يزال ولم يزل، من بواطن أمورهم، فتقوم الحجة على من خالفنا على مقتضى عاداتكم، عطف عليه محذراً لقريش ومسلياً للنبي ﷺ قوله :﴿ولقد فتنا﴾ أي فعلنا على ما لنا من العظمة فعل الفاتن وهو المختبر الذي يريد أن يعلم حقيقة الشيء بالإملاء والتمكين ثم الإرسال.
ولما كان من المعلوم أن قوم فرعون لم يستغرقوا الزمان ولا كانوا أقرب الناس زماناً إلى قريش، نزع الجار قبل الظرف لعدم الإلباس أو أنه عظم فتنتهم لما كان لهم من العظمة والمكمنة، فجعلها لذلك كأنها مستغرقة لجميع الزمان فقال :﴿قبلهم﴾ أي قبل هؤلاء العرب ليكون ما مضى من خبرهم عبرة لهم وعظة.
ولما كان فرعون من أقوى من جاءه رسول قبلهم بما كان له من الجنود والأموال والمكنة، وكان الرسول الذي أتاه قد جمع له - ﷺ - الآيات التي اشتملت على التصرف في العناصر الأربعة.
فكان فيها الماء والتراب والنار والهواء، وكانوا إذا أتتهم الآية قالوا : يا أيها الساحر! ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون، فإذا كشف عنهم ذلك عادوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر تعالى عن هؤلاء عند مجيء الدخان - إلى غير ذلك أجمعين، فكانوا أجلى مثل لقوله تعالى في التي قبلها ﴿فأهلكنا أشد منهم بطشاً﴾ [الزخرف : ٨] خصهم بالذكر من بين المفتونين قبل فقال :﴿قوم فرعون﴾ أي مع فرعون لأن ما كان فتنة لقومه كان فتنة له لأن الكبير أرسخ في الفتنة بما أحاط به من الدنيا، وسيأتي التصريح به في آخر القصة ﴿وجاءهم﴾ أي المضافين والمضاف إليه في زيادة فتنتهم ﴿رسول كريم﴾ أي يعلمون شرفه نسباً وأخلاقًا وأفعالاً، ثم زاد بيان كرمه بما ظهر لله به من العناية بما أيده به من المعجزات.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٩


الصفحة التالية
Icon