ولما كان علو من يتصرف في العبد على مالك العبد لا يثبت إلا بعد ثبوت أنه ملكه وأنه لا يحب التصرف فيه، علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل أن ما أتى به بصدد أن ينكروه لأن النزوع عما استقر في النفس ومضى عليه الإلف بعيد :﴿إني آيتكم﴾ وهو يصح أن يكون سام فاعل وأن يكون فعلاً مضارعاً.
ولما كان فعلهم فعل العالي على السلطان، قال :﴿بسلطان﴾ أي أمر باهر قاهر من عند مالكهم، لا يسوغ لأحد الاستعلاء عليه فكيف بالاستعلاء على من هو بأمره ﴿مبين﴾ أي وضاح في نفسه سلطنته ومظهر لغيره ذلك.
ولما كان من العجائب أن يقتل منهم نفساً ثم يخرج فاراً منهم ثميأتي إليهم لا سيما إتيناً يقاهرهم فيه في أمر عظيم من غير أن يقع بينهم وبينه ما يمحو ما تقدم منه، نبههم على إتيانه هذا على هذا الحال آية أخرى دالة على السلطان، فقال مؤكداً تكذيباً لظنهم أنه في قبضتهم :﴿وإني عذت﴾ أي اعتصمت وامتنعت ﴿بربي﴾ الذي رباني على
٧١
ما اقتضاه لطفه بي وإحسانه إليّ ﴿وربكم﴾ الذي أعاذني من قتلكم لي بكم على ما دعت إيه حكمته من جبروتكم وتكبركم وقوة مكنتكم ﴿أن ترجمون﴾ أي أن يتجدد في وقت من الأوقات قتل منكم لي، ما أتيتكم حتى توثقت من ربي في ذلك، فإني قلت ﴿إني اخاف أن يقتلون﴾ فقال ﴿سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا﴾ [القصص : ٣٨] فهو من أعظم ياتي أن لا تصلوا على قوتكم وكثرتكم إلى قتلي منع أنه لا قوة لي بغير الله الذي أرسلني.
ولما كان التقديرك فإن آمنتم بذلك وسلمتم لي أفلحتم، عطف عليه قوله :﴿وإن لم تؤمنوا لي﴾ أي تصدقوا لأجلي ما أخبرتكم به ﴿فاعتزلون﴾ أي وإن لم تعتزلوني هلكتم، ولا تقدرون على قتلي بوجه وأنا واحد ممن تسومونهم سوء العذاب، وما قتلتم أبناءهم إلا من أجلي، فرباني على كف من ضاقت عليه الأرض بسببي وسفك الدماء في شأني، ومنعه الله من أن يصل إليّ منه سوء قبل أن أعوذ به، فكيف به بعد أن أرسلني وعذب به فأعاذني، واستجرت به فأجارني.


الصفحة التالية
Icon