ولما علم بهذا أنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً، بل وصل إلى غاية الهوان، دل عليه بالتهكم بما كان يظن في نفسه من العظمة التي يترفع بها في الدنيا على أوامر الله، فقيل بناء على ما تقديره : يفعل به ذلك مقولاً له :﴿ذق﴾ أي من هذا أوصلك إليه تغررك على أولياء الله.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨١
ولما كان أولياء الله منالرسل وأتباعهم يخبرون في الدنيا أنه.
لإبائه أمر الله - هو الذليل، وكان هذا الأثيم وأتباعه يكذبون بذلك ويؤكدون قولهم المقتضي لعظمته لإحراق أكباد الأولياء حكى له قولهم على ما كانوا يلفظون به زيادة في تذعيبه بالتوبيخ والتقريع معللاً للأمر بالذوق :﴿إنك﴾ وأكد بقوله :﴿أنت﴾ وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك ﴿العزيز﴾ أي الذي يغلب ولا يغلب ﴿الكريم﴾ أي الجامع إلى الجود شرف النفس وعظم الإباء، فلا تنفعك عن ستر مساوئ الأخلاق بإظهار معاليها فلست بلئيم أي بخيل مهين النفس خسيس الإباء، فهو كناية عن مخاطبته بالخسة مع إقامة الدليل على ذلك بما هو فيه من المهالك، وقراءة الكسائي بفتح " إن " دالة على هذا العذاب قولاً وفعلاً على ما كان يقال له من هذا الدنيا ويعتقد هو أنه حق.
ولما دل على أنه يقال هذا لكل من الأثماء ويفعل به على حدته، دل على ما يعمون به، فقال مؤكداً رداً لتكذيبهم سائقاً لهم على وجه مفهم أنه علة ما ذكر من عذابهم :﴿إن هذا﴾ أي العذاب قولاً وفعلاً وحالاً ﴿ما كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً طبعناكم عليه لتظهر قدرتنا في أمركم دنيا وأخرى ﴿به تمترون﴾ أي تعالجون أنفسكم
٨٢
وتحملونها على الشك فيه وتردونها عما لها من الفطرة الأولى من التصديق بالممكن لا سيما لمن جرب صدقه وظهرت خوارق العادات على يده بحيث كنتم لشدة ردكم له كأنكم تخصونه بالشك.


الصفحة التالية
Icon