ولما وصف سبحانه ما للمبالغ في المساوئ وأفرده أولاً إشارة إلى قليل في قوم هذا النبي الكرمي الذي تداركهم الله بدعوته تشريفاً له وإعلاء لمقدالره، وجمع آخراً ذاكراً من آثار مناستحق به ذلك من مشاركة في أوزاره، ففهم أن وصفه انقضى، ومر ومضى، فتاقت النفس إلى تعرف ما لأضداده الذين خالفوه في مبدئه ومعاده، قال مؤكداً لما لهم من التكذيب :﴿إن المتقين﴾ أي العريقين في هذا الوصف ﴿في مقام﴾ أي موضع إقامة لا يريد الحال فيه تحولاً عنه ﴿أمين﴾ أي يأمن صاحبه فيه من كل ما لا يعجبه.
ولما كان الوصف بعد الوصف شديد الترغيب في الشيء، قال مبدلاً من " مقام " :﴿في جنات﴾ أي بساتين تقصر العقول عن إدراك وصفها كل وصفها ﴿وعيون﴾ كذلك بحيث تقر بها العيون، ولما كان قد أشار إلى وصف ما للباطن من لذة النظر ولباس الأكل والشرب، أتبعه كسوة الظاهر وما لكل من القرب فقال :﴿يلبسون﴾ ولما وصف ما أعد لهم من اللبس في الجنة، دل على الكثرة جداً بقوله :﴿من سندس﴾ وهو ما رق من الحرير يعمل وجوهاً، وزاد صنفاً آخر فقال :﴿وإستبرق﴾ وهو ما غلظ منه يعمل بطائن، وسمي بذلك لشدة بريقه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨١
ولما كان وصف الأثماء بما لهم من القبض الشاغل لكل منهم عن نفسه وغيره بعد ما تقدم في الزخرف في آية الأخلاء ما أعلم بكونهم مدابرين وصف أضدادهم بما لهم من البسط مع الاجتماع فقال :﴿متقابلين﴾ أي ليس منهم أحد يدابر الآخر لا حساً ولا معنى، وود أن كلاًّ منهم يقابل الآخر ناظراً إليه، فإذا أرادوا النساء حالت الستور بينهم.
ولما كان هذا أمراً يبهر العقل، فلا يكاد يتصوره، قال مؤكداً له :﴿كذلك﴾ أي الأمر كما ذكرنا سواء لا مرية فيه.