ولما بين تعالى كفره بما يسمع من الآيات، أتبعه ما هو أعم منه فقال :﴿وإذا علم﴾ أي أيّ نوع كان من أسباب العلم ﴿من آياتنا﴾ أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ﴿شيئاً﴾ وراءه وكان كلما رأوا الإنسان في غاية التمكن منه، قال مبيناً للعذاب :﴿جهنم﴾ أي تأخذهم لا محالة وهم في غاية الغفلة عنها بترك الاحتراز منها، ويحسن التعبير بالوراء أن الكلام في الأفاك، وهو انصراف الأمور عن أوجهها إلى اقفائها فهو
٩٣
ماش أبداً إلى ورائه فهو ماش إلى النار بظهره، ويستعمل، " وراء " في الإمام، فيكون حينئذ مجاراً عن الإحاطة أي تأخذهم من الجهة التي هم بها عالمون والجهة التي هم بها جاهلون، فتلقاهم بغاية التجهم والعبوسة والغيظ والكراهة ضد ما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطراً وأشراً، ومثل ما كانوا عليه عند الملاقاة للمصدقين بتلك الآيات.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٩٢
ولما كانوا يظهرون الركون إلى ما بأيديهم من الأعراض الفانية، قال :﴿ولا يغني عنهم﴾ أي في دفع ذلك ﴿شيئاً﴾ أي من إغناء.
ولما كان هؤلاء لما هم عليه من العمى يدعون إغناء آلهتهم عنهم، قال مصرحاً بها :﴿ولا ما اتخذوا﴾ أي كلفوا أنفسهم أي كلفوا أنفسهم بأخذه مخالفين لما دعتهم إليها فطرهم الأولى السليمة من البعد عنها.
ولما كان كفرهم إنما هو الإشراك، فكانوا يقولون " الله " أيضاً، قال معبراً بما يفهم سفول ما سواه :﴿من دون الله﴾ أي أدنى رتبة من رتب الملك الأعظم ﴿أولياء﴾ أي يطمعون في أن يفعلوا معهم ما يفعله القريب من النفع والذب والدفع ﴿ولهم﴾ مع عذابه بخيبة الأمر ﴿عذاب عظيم *﴾ لا يدع جهة من جهاتهم ولا زماناً من أزمانهم ولا عضواً من أعضائهم إلا ملأه.


الصفحة التالية
Icon