ولما كان أمرها مركوزاً في الفطر لا يحتاج إلى كبير نظر، بما يعلم كل أحد من تمام قدرة الله تعالى، فمتى نبه عليها نوع تنبيه سبق إلى القلب علمها، سموا ذلك ظناً عناداً واستكباراً، فقالوا مستأنفين في جواب من كأنه يقول : أفلم تفدكم تلاوة هذه الآيات البينات علماً بها :﴿إن﴾ أي ما ﴿نظن﴾ أي نعتقد ما تخبروننا به عنها ﴿إلا ظناً﴾ وأما وصوله إلى درجة العلم فلا.
ولما كان المحصور لا بد وأن يكون أخص من المحصور فيه كان الظن الأول بمعنى الاعتقاد، ولعله عبر عنه بلفظ الظن تأكيداً لمعنى الحصر، ولذلك عطفوا عليه - تصريحاً بالمراد لأن الظن قد يطلق على العلم - قولهم :﴿وما نحن﴾ وأكدوا النفي فقالوا :﴿بمستيقنين *﴾ أي بموجود عندنا اليقين في أمرها ولا بطالبين له - هذا مع ما تشاهدونه من الآيات في الآفاق وفي أنفسكم وما يبث من دابة وما ينبهكم على ذلك من الآيات المسموعة، وهذا لا ينافي آية ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا﴾ لأن آخرها مثبت للظن، فكأنهم كانوا تارة يقوى عندهم ما في جبلاتهم وفطرهم الأولى من أمرها فيظنونها، وتارة تقوى عليهم الحظوظ مع ما يقترن بها من الشبهة المبنية على الجهل فيظنون عدمها فيقطعون به لما للنفس إليه من الميل، أو كانوا فرقتين - والله أعلم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٧