ولما وصلوا إلى حد عظيم من العناد، التفت إلى أسلوب الغيبة إعراضاً عنهم إيذاناً بشديد الغضب فقال تعالى :﴿وبدا﴾ أي ولم يزالوا يقولون ذلك إلى أن بدت لهم الساعة بما فيها من الأوجال، والزلازل والأهوال، وظهر ﴿لهم﴾ غاية الظهور ﴿سيئات ما﴾ ولما كان السياق للكفرة، وكانوا مؤاخذين بجميع أعمالهم فإنه ليس لهم أساس صالح يكون سبباً لتكفير شيء مما تقلبوا فيه ولم يقتض السياق خصوصاً مثل الزمر، عبر بالعمل الذي هو أعم من الكسب فقال :﴿علموا﴾ فتمثلت لهم وعرفوا مقدار جزائها واطلعوا على جميع ما يلزم على ذلك ﴿وحاق بهم﴾ أي أحاط على حال القهر والغلبة،
١١٠
قال أبو حيان : ولا يستعمل إلا في إلا في المكروه.
﴿ما كانوا﴾ جبلة وخلقاً ﴿به يسهزءون *﴾ أي يوجدون الهزء به على غاية الشهوة واللذة إيجاد من هو طالب لذلك ﴿وقيل﴾ أي لهم على قطع الأحوال وأشدها قولاً لا معقب له، فكأنه بلسان كل قائل :﴿اليوم ننساكم﴾ أي نفع لمعكم بالترك من جميع ما يصلحكم فعل المنسي الذي نقطع عنه جميع إحساننا فيأتيه كل شر ﴿لقاء يومكم هذا﴾ أي الذي عملتم في أمره عمل الناسي له، ومن نسي لقاء اليوم نسيء لقاء الكائن فيه بطريق الأولى، وقد عابهم الله سبحانه تعالى بذلك أشد العيب لأن ما عملوه ليس من فعل الحزمة أن يتركوا ما ضرره محتمل لا يعتدون له، وإنما هذا فعل الحمق الذين هم عندهم أسقال لا عبرة لهم ولا وزن لهم، وعبر بالنسيان لأن علمه مركوز في طبائعهم، وعبر في فعله بالمضارع ليدل على الاستمرار، وفي فعلهم بالماضي ليدل على أن من وقع منه ذلك وقتاً ما وإن قل كان على خطر عظيم بتعريض نفسه لاستمرار الإعراض عنه.


الصفحة التالية
Icon