واعتبارات لأنه أثبت أنه كله حق، ونفى عنه كل باطلب، فقال خطاباً لأهل الأوثان من سائر الأديان الصابية والمجوس وغيرهم الذين افتتحت السورة بهم وختمت بالفسف الجامع لهم الموجب لكفرهم :﴿تنزيل الكتاب﴾ أي الجامع لجميع الخيرات بالتدريج على حسب المصالح ﴿من الله﴾ أي الجبار المتكبر المختص بصفات الكمال الذي هو الحمد بما دلت عليه ربوبيته، وختم بقوله :﴿العزيز الحكيم *﴾ تقريراً لأنه لم يضع شيئاً إلا في أوفق محاله، وأنه الخالق للشر كما أنه الخالق للخير ولجميع الافعال وأنه يعز أولياءه ويذل أعداءه ويحكم أمر دينه فيظهره على الدين كله من غير أن يقدر أحد على معارضته في شيء منه فصارت آية الجاثية مقدمة لهذه وهذه نتيجة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١١٤
ولما ثبت في الجاثية مضمون قوله تعالى في الدخان ﴿وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين﴾ بما ذكر فيهما من الآيات والمنافع والحكم، أثبت هنا مضمون ما بعد ذلك بزيادة الأجل فقال دالاً على عزته وحكمته :﴿وما خلقنا﴾ أي على ما لنا من العظمة الموجبة للتفرد بالكبرياء ﴿السموات والأرض﴾ على ما فيهما من الآيات التي فصل بعثها في الجاثية.
ولما كان من المقاصد هنا الرد على المجوس وغيرهم ممن ثبت خلقاً لغير الله قال :﴿وما بينهما﴾ أي من الهواء المشحون بالمنافع وكل خير وكل شر من أفعال العباد وغيرهم، وقال ابن برجان في تفسيره : جميع الوجوه.
أوله وآخره نسخة لأم الكتاب والسماوات والأرض إشارة إلى بعض الوجود، وبعضه يعطي من الدلالة على المطلوب ما يعطيه الكل بوجه ما، غير أن علا أصح دلالة وأقرب شهادة وأبين إشارة، وما صغر من الموجودات دلالته مجملة يحتاج المستعرض فيه إلى التثبت وتدقيق النظر والبحث - انتهى.


الصفحة التالية
Icon