أن الله أرسله لما صح كل شيء حكم به على المستقبلات ولم يتخلف من ذلك شيء فقال :﴿وما أدري﴾ أي في هذا الحال بنوع حيلة وعمل واجتهاد ﴿ما﴾ أي الذي ﴿يفعل﴾ أي من أيّ فاعل كان سواء كان هو الله تعالى بلا وساطة أو بواسطة غيره ﴿بي﴾ وأكد النفي ليكون ظاهراً في الاجتماع وكذلك في الانفراد أيضاً فقال :﴿ولا﴾ أي ولاأدري الذي يفعل ﴿بكم﴾ هذا في أصل الخلقة وأنتم ترونني أحكم على نفسي بأشياء لا يختل شيء منها مثل أن أقول : إني آتيكم من القرآن بما يعجزكم، فلا تقدرون كلكم على معارضة شيء منه فيضح ذلك على سبيل التكرار لا يتخلف أصلاً، فلولا أن الله أرسلني به لم أقدر وحدي على ما لا تقدرون عليه كلكم، وإن قدرت على شيء كنتم أنتم أقدر مني عليه، وفي الآية بعمومها دليل على أن لله أن يفعل ما يشاء، فله أن يعذب الطائع وينعم العاصي، ولو فعل ذلك لكان عدلاً وحقاً وإن كنا نعتقد أنه لا يفعله.
ولما سوى نفسه الشريفة بهم في أصل الخلقة، وكان قد ميزه الله عنهم بما خصه من النبوة والرسالة، أبرز له ذلك - سبحانه وتعالى على وجه النتيجة فقال :﴿إن﴾ أي ما ﴿أتبع﴾ أي - بغاية جهدي وجدي ﴿إلا ما﴾ أي الذي ﴿يوحى﴾ أي يجدد إلقاؤه ممن لا يوحي بحق إلا هو ﴿إليّ﴾ على سبيل التدريج سراً، لا يطلع عليه حق اطلاعه غيري، ومنه ما أخبر فيه عن المغيبات فيكون كما قلت، فلا يرتاب في أني لا أقدر على ذلك بنفسي فعلم أنه من الله.
ولما نسبوه إلى الافتراء تارة والجنون أخرى، وكان السبب الأعظم في نسبتهم له إلى ذلك صدعهم بما يسوءهم على غير عادته السالفة وعادة أمثاله، قال على سبيل القصر القلبي :﴿وما أنا﴾ أي بإخباري لكم عما يوحى إليّ ﴿إلا نذير﴾ أي لكم ولكل من بلغه القرآن ﴿مبين *﴾ أي ظاهر أني كذلك في نفسه مظهر له - أي كوني نذيراً - ولجميع الجزيئات التي أنذر منها بالأدلة القطعية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١١٩
١٢٢


الصفحة التالية
Icon