ولما أثبت أنه من عند الله بشهادة الله نفسه بعجزهم عن المعارضة، قبح عليهم إصرارهم على التكذيب على تقدير شهادة أحد ممن يثقون بهم يسألونهم عنه من أهل الكتاب فقال تعالى :﴿قل أرءيتم﴾ أي أخبروني وبينوا لي وأقيموا ولو ببعض حجة أو برهان ﴿إن كان﴾ أي هذا الذي يوحى إليّ وآتيكم به وأنذركم وأعلمكم أنه من الله فإنه ﴿من عند الله﴾ أي الملك الأعظم.
ولما كان مقصود السورة إنذار الكافرين الذين لا ينظرون في علم، بل شأنهم تغطية المعارف والعلوم، عطف بالواو الدالة على مطلق الجميع الشامل لمقارنة الأمرين المجموعين من غير مهلة فيدل على الإسراع في الكفر من غير تأمل قال :﴿وكفرتم به﴾ أي على هذا التقدير ﴿وشهد شاهد﴾ أي واحد وأكثر ﴿من بني إسرائيل﴾ الذين جرت عادتكم أن تستفتوهم وتثقوا بهم ﴿على مثله﴾ أي مثل ما في القرآن من أن من وحد فقد آمن، ومن أشرك فقد كفرن وأن الله أنزل ذلك في التوراة والإنجيل وجميع أسفارهم، فطابقت عليه كتبهم، وتظافرت به رسلهم، وتواتر على الدعاء إليه والأمر به أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام، ثم سبب عن شهادته وعقب وفصل فقال :﴿فآمن﴾ أي هذا الذي شهد هذه الشهارة بهذا القرآن عندما رآه مصدقاً لما ذكر وعلم أنه الكتاب الذي بشرت به كتبهم، فاهتدى إلى وضع الشيء في محله فوضعه ولم يستكبر.
ولما كان الحامل لهم بعد هذه الأدلة على التمادي على الكفر إنما هو الشماخة والأنفقة قال :﴿واستكبرتم﴾ أي أوجدتم الكبر بالإعراض عنه طالبين بذلك الرئاسة والفخر والنفاسة، فكنتم بعد شهادة هذا الشاهد معاندين من غير شبهة أصلاً فضللتم فكفرتم فوضعتم الشيء في غير موضعه فانسد عليكم باب الهداية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٢