ولما كانوا يدعون أنهم أهدى الناس وأعدلهم، وكان من رد شهادة الخالق والخلق ظالماً شديد الظلم، فكان ضالاً علىعلم، قال الله تعالى مستأنفاً دالاً على أن تقدير الجواب : أفلم تكونوا بتخلفكم عن الإيمان بعد العلم قد ظلمتم ظلماً عظيماً بوضع الكفرن موضع الإيمان، فتكونوا ضالين تاركين للطريق الموصل على عمد ﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ذا العزة والحكمة ﴿لا يهدي القوم﴾ أي الذين لهم قدرة على القيام بما يريدون محاولته ﴿الظالمين *﴾ أي الذين من شأنهم وضع الأمور غير مواضعها، فلأجل ذلك لا يهديكم لأنه لا أحد أرسخ منكم في الظلم الذي تسبب عنه ضلالكم، أما من كان منكم عالماً فالأمر فيه واضح، وأما من كان منكم جاهلاً فهو كالعالم لعدم تدبره مثل هذه الأدلة التي ما بين العالم بلسان العرب وبين انكشافها له إلا تدبها مع ترك الهوى، وقال الحسن - كما نقله البغوي - الجواب : فمن أضل منكم كما قال في
١٢٣
" فصلت " ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد﴾ [فصلت : ٥٢] فالآية من الاحتباك : ذكر الإيمان أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والاستكبار والظلم وعدم الهداية ثانياً دليلاً على أضدادها أولاً، وسره أنه شكر سببي السعادة ترغيباً وترهيباً.
ولما دل على أن تركهم للإيمان إنما هو تعمد للظلم استكباراً، عطف على قولهم ﴿إنه سحر﴾ ما دل على الاستكبار فقال تعالى :﴿وقال الذين كفروا﴾ أي تعمدوا تغطية الحق ﴿للذين﴾ أي لأجل إيمان الذين ﴿آمنوا﴾ إذ سبقوهم إلى الإيمان :﴿لو كان﴾ إيمانهم بالقرآن وبهذا الرسول ﴿خيراً﴾ أي من جملة الخيور ﴿ما سبقونا إليه﴾ ونحن أشرف منهم وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلم بتحصيل العز والسؤدد الذي هو مناط الخير فكأن لم يسبقونا إلى شيء من هذه الخيرات التي نحن فائزون بها وهم صفر منها، لكنه ليس بخير، فلذلك سبقوا إليه فكان حالهم فيه حالهم فيما هو محسوس من أمورهم في المال والجاه.


الصفحة التالية
Icon