ولما دل على أن الكتاب حق، بين ثمرته فقال :﴿لينذر﴾ أي أشير إلى الكتاب في هذا الحال لينذر الكتاب بحسن بيانه وعظيم شأنه ﴿الذين ظلموا﴾ سواء كانوا عريقين في الظلم أم لا، فأما العريقون فهو لهم نذري كاملة، فإنهم لا يهتدون كما تقدم، وأما غيرهم فيهتدي بنذارته ويسعد بعبارته وإشارته، وليبشر الذين أحسنوا في وقت ما ﴿ما﴾ هو ﴿بشرى﴾ كاملة ﴿للمحسنين *﴾ لا نذارة لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالآية من الاحتباك : أثبت أولاً ﴿ينذر﴾ و﴿الذين ظلموا﴾ دلالة على حذف نحوه ثانياً، ﴿وبشرى﴾ و﴿للمحسنين﴾ ثانياً دلالة على ﴿نذري﴾ ﴿وللظالمين﴾ أولاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٢
ولما بين حالة المحسنين شرح أمرهم فقال مستأنفاً في جواب من سأل عنهم وعن بشراهم :﴿إن الذين قالوا ربنا﴾ أي خالقنا ومولانا والمحسن إلينا ﴿الله﴾ سبحانه وتعاللى لا غيره.
ولما كانت الاستقامة - وهي الثبات على كل ما يرضي الله مع ترتبها على التوحيد - عزيزة المنال عليه الرتبة، وكانت ف يالغالب لا تنال إلا بعد منازلات طويلة ومجاهدات شديدة، أشار إلى كل من بعدها وعلو رتبتها بأداة التراخي فقال :﴿ثم﴾ أي بعد قولهم ذلك الذي وحدوا به ﴿استقاموا﴾ أي طلبوا القوم طلباً عظيماً وأوجدوه.
١٢٥
ولما كان الوصف لرؤوس المؤمنين، عد أعمالهم أسباباً فأخبر عنهم بقوله :﴿فلا خوف عليهم﴾ أي يعلوهم بغلبة الضرر، ولعله يعبر في مثل هذا بالاسم إشارة إلى أن هيبته بالنظر إلى جلاله وقهره وجبروته وكبره وكماله لا تنتفي، ويحصل للأنسان باستحضارها إخبات وطمأنينة ووقار وسكينة يزيده في نفسه جلالاً ورفعة وكمالاً، فاملنفي خوف يقلق النفس ﴿ولا هم﴾ في ضمائرهم ولا في ظواهرهم ﴿يحزنون *﴾ أي يتجدد لهم شيء من حزن أصلاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٢