ولما نفى عنهم المحذور، مدهم بإيثار السرور، فقال تعالى :﴿أولائك﴾ أي العلو الدرجات ﴿أصحاب الجنة﴾ ولما دلت الصحبة على الملازمة، صرح بها بقوله تعالى :﴿خالدين فيها﴾ خلوداً لا آخراً له، جوزوا بذلك ﴿جزاء﴾ ولما كانوا محسنين فكانت أعمالهم في غاية الخلوص جعلها تعالى أسباباً أولاً وثانياً، فقال مشيراً إلى دوامها لأنها في جبلاتهم ﴿بما كانوا﴾ أي طبعاً وخلقاً ﴿يعملون *﴾ على سبيل التجديد المستمر.
ولما تفضل سبحانه وتعالى على الإنسان بعد الأعمال التي هيأه لها وأقدره عليها ووفقه لها أسباباً قرن بالوصية بطاعته - لكونه المبدع - الوصية بالوالدين لكونه تعالى جعله سبب الإيجاد، فقال في هذا السياق الذي عد فيه الأعمال لكونه سياق الإحسان التي أفضلها الصلاة على ميقاتها، وثانيها في الرتبة بر الوالدين كما في الصحيح، وفي الترمذي :"رضى الله في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما" وعلى هذا المنوال جرت عادة القرآن يوصي بطاعة الوالدين بعد الأمر بعبادته ﴿وإذ أخذ الله ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً﴾ [البقرة : ٨٣] ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً﴾ [النساء : ٣٦] وكذاما بعدهما عاطفاً على ما قدرته أو السورة من نحو أن يقال : وأمرنا الناس أجميعن أن يكونوا بطاعتنا في مهلة الأجل عاملين ولمعصيتنا مجتنبين :﴿ووصينا الإنسان﴾ أي هذا النوع الذي أنس بنفسه ﴿بوالديه﴾ ولما
١٢٦
استوفى ﴿وصى﴾ مفعوليه كان التقدير : ليأتي إليهما حسناً، وقرأ الكوفيون :﴿إحساناً﴾ وهو أوفق للسياق.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٦


الصفحة التالية
Icon