ولما ذكرها بهذا الذكر الهائل، وكان التقدير : جاءتهم فدمرتهم لم تترك منهم أحداً، سبب عن ذلك زيادة في التهويل قوله :﴿فأصبحوا﴾ ولما اشتد إصغاء السامع إلى كيفية إصباحهم، قال مترجماً لهلاكهم :﴿لا ترى﴾ أي أيها الرائي، فلما عظمت روعة القلب وهول النفس قال تعالى :﴿إلا مساكنهم﴾ أي جزاء على إجرامهم، فانطبقت العبارة على المعنى، وعلم أن المراد بالإصباح مطلق الكون، ولكنه عبر به لأن المصيبة فيه أعظم، وعلم أنه لم يبق من المكذبين ديار ولا نافخ نار، وهذا كناية عن عموم الهلاك لهم سواء كان الرمل دفنهم أو على وجه الأرض مرتبين كما في الآية الأخرى ﴿فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ [الحاقة : ٧] وروي أن هوداً عليه الصلاة والسلام لما أحس بالريح اعتزل بمن آمن معه في حظيرة فأمالت الريح على الكفرة الأحقاف التي كانت مجتمعهم إذا تحدثوا ومحل بسطهم إذا لعبوا، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، ثم كشفت عنهم فاحتملتهم فقذفتهم في البحر وكذا أهلكت مواشيهم وكل شيء لهم فيه روح ولم يصب هوداً عليه الصلاة والسلام ومن معه رضي الله عنهم منها إلا ما لين أبشارهم ونعش أرواحهم، والآية على هذا على حقيقتها في أنه لم يصبح الصباح ومنهم أحد يرى.
ولما طارت لهذا الهول الأفئدة واندهشت الألباب، قال تعالى منبهاً على زبدة المراد بطريق الاستئناف :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الجزواء الهائل في أصله أو جنسه أو نوعه أو شخصه من الإهلاك ﴿نجزي﴾ بعظمتنا دائماً إذا شئنا ﴿القوم﴾ وإن كانوا أقوى ما يكون ﴿المجرمين *﴾ أي العريقين في الإجرام الذين يقطعون ما حقه الوصل فيصلون ما حقه القطع، وذلك الجزاء هو الإهلاك على هذا الوجه الشنيع، فاحذروا أيها العرب مثل ذلك إن لم ترجعوا.
١٣٧
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣٥