ولما اشتد تشوف السمامع العالم بما كانوا يبدون من الشماخة والعتو إلى جوابهم، قال في جوابه مستأنفاً :﴿قالوا﴾ أي مصدقين حيث لا ينفع التصديق :﴿بلى﴾ وما كفاهم البدار إلى تكذيب أنفسهم حتى أقسموا عليه لأن حالهم كان مباعداً للإقرار، وذكروا صفة الإحسان زيادة في الخضوع والإذعان ﴿وربنا﴾ أي إنه لحق هو من أثبت الأشياء، وليس فيه شيء مما يقارب السحر، ثم استأنف جواب من سأل عن جوابه لهم بقوله تعالى :﴿قال﴾ مبكتاً لهم بياناً لذلهم موضع كبرهم الذي كان في الدنيا مسبباً عن تصديقهم هذا الذي أوقعوه في غير موضعه وجعلوه في دار العمل التي مبناها على الإيمان بالغيب تكذيباً معبراً بما يفهم غاية الاستهانة لهم :﴿فذوقوا العذاب﴾ أي باشروه مباشرة الذائق باللسان ثم صرح بالسبب فقال :﴿بما كنتم﴾ أي خلقاً وخلقاً مستمراً دائماً أبداً ﴿تكفرون *﴾ في دار العمل.
ولما علم بما قام من الأدلة وانتصب من القواطع أن هذا مآلهم، سبب عنه قوله رداً على ما بعد خلق الخافقين في مطلعها من أمر الرسول ﷺ ونسبتهم له إلى الافتراء وما بعد :﴿فاصبر﴾ أي على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة، قال القشيري : والصبر هو الوقوف بحكمِ الله والثبات من غير بث ولا استكراه.
﴿كما صبر أولوا العزم﴾ أي الجد في الأمر والجحزم في الجد والإرادة والمقطوع بها والثبات الذي لا محيد عنه، الذين مضوا في أمر الله مضياً كأنهم أقسموا عليه فصاروا كالأسد في جبلته والرجل الشديد
١٤٥
الشجاع المحفوف بقبيلته، قال الرازي في اللوامع : فارقت نفوسهم الشهوات والمنى فبذلوا نفوسهم لله صدقاً لاتفاق النفس القلب على البذل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٤٤