ولما تشوف السامع إلى بيانهم قال :﴿من الرسل﴾ عليهم الصلاة والسلام، وقيل وهو ظاهر جداً : أن " من " للتبعيض، والمراد بهم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيس قواعدها وتثبيت معاقدها، ومشاهيرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد نظمهم بعضهم في قوله :
أولو العزم نوح والخليل بن آزر وموسى وعيسى والحبيب محمد
والخلاف في تعيينهم كثير منتشر هذا القول أشهر ما فيه، وكله مبني على أن " من " للتبعيض وهو الظاهر، والقول بأنهم جميع الرسل - قال ابن الجوزي - قاله ابن زيد واختاره ابن الأنباري وقال :" من " للتجنيس لا للتبعيض، وفي قول أنهم جميع الأنبياء إلا يونس عليه الصلاة والسلام - قال ابن الجوزي : حكاه الثعلبي.
ولما أمره بالصبر الذي من أعلى الفضائل، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات الرذائل، ليصح التحلي بفضيلة الصبر الضامنة للفوز والنصر فقال :﴿ولا تستعجل لهم﴾ أي تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئاً مما يسوهم في غير حينه الأليق به.
ولما كان ما أمر به ونهى عنه في غاية الصعوبة، سهله بقوله مستأنفاً :﴿كأنهم يوم يرون﴾ أي في الدنيا عند الموت مثلاُ أو في الآخرة والتحذير منه لأهل المعاصي والبشارة فيه لأهل الطاعة، فأما هذه الطائفة فإذا رأوا ﴿ما يوعدون﴾ من ظهور الدين في الدنيا والبعث في الآخرة، وبناه للمفعول لأن المنكىء هو الإيعاد لا كونه من معين ﴿لم يلبثوا﴾ أي في الدنيا حيث كانوا عالين ﴿إلا ساعة﴾.
ولما كانت الساعة قد يراد بها الجنس وقد تطلق على الزمن الطويل، حقق أمرها وحقرها بقوله :﴿من نهار﴾ ولما تكفل ما ذكر في هذه السورة من الحجج الظاهرة.


الصفحة التالية
Icon