ولما كان بعضهم كحيي بن أخطب ومن نحا نحوه قد طعن في القرآن بنزوله منجماً مع أن التوراة ما نزلت إلا كذلك، وليس أحد منهم يقدر أن ينكره قال :﴿بما نزل﴾ أي ممن لا منزل إلا هو منجماً مفرقاً ليجددوا بعد الإيمان به إجمالاً الإيمان بكل نجم منه ﴿على محمد﴾ النبي الأمي العربي القرشي المكي ثم المدني الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ﷺ، ولما كان هذا
١٤٩
معلماً بأن كل إيمان لم يقترن بالإيمان به ﷺ لم يعتد به، اعترض بين المبتدأ وجوابه بما يفهم علته حثاً عليه وتأكيداً له فقال تعالى :﴿وهو﴾ أي هذا الذي نزل عليه ﷺ مختص بأنه ﴿الحق﴾ أي الكامل في الحقية لأن ينسخ ولا ينسخ كائناً ﴿من ربهم﴾ المحسن إليهم بإرساله، أما إحسانه إلى أمته فواضح، وأما سائر الأمم فبكونه هو الشافع فيهم الشفاعة العظمى يوم القيامة، وأمته هي الشاهدة لهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٤٨
ولما ثبت بهذا أنهم أحق الناس بالحق، بين ما أثمر لهم ذلك دالاً على أنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره، فلا يسع الخلق إلا العفو لأنهم وإن اجتهدوا في الإصلاح بدا لهم لنقصانهم من سيئات أو هفوات فقال تعالى :﴿كفر﴾ أي غطى تغطية عظيمة ﴿عنهم﴾ في الدارين بتوبتهم وإيمانهم لأن التوبة تجب ما كان قبلها كالإيمان ﴿سيئاتهم﴾ أي الأعمال السيئة التي لحقتهم قبل ذلك بما يظهر لهم من المحاسن وهدى أعمالهم.
ولما كان من يمل سوءاً يخاف عاقبته فيتفرق فكره، إذ لا عشية لخائف قال تعالى :﴿وأصلح بالهم *﴾ أى موضع سرهم وفكرهم بالأمن والتوفيق والسداد وقوة الفهم والرشاد لما يوفقهم له من محاسن الأعمال ويطيب به اسمهم في الداري، قال ابن برجان : وإذا أصلح ذلك من العبد صلح ما يدخل إليه وما يخرج عنه وما يثبت فيه، وإذا فسد فبالضد من ذلك.