رزقهم الله من الملاذ لا على وجه أنها ملاذ بل على وجه أنها مأذون فيها، وهي بلاغ إلى الآخرة وأكلوا لا للترفه بل لتقوية البدن على ما أمروا به تقوتاً لا تمتعاً ﴿جنات﴾ أي بساتين عظيمة الشأن موصوفة بأنها ﴿تجري﴾ وبين قرب الماء من وجهها بقوله :﴿من تحتها الأنهار﴾ أي فهي دائمة النمو والبهجة والنصارة والثمرة لأن أصول أشجارها ربى وهي بحيث متى أثرت بقعة مناه أدنى إثارة جرى منها نهر، فأنساهم دخولهم عصص ما كانوا فيه في الدنيا من نكد العيش ومعاناة الشدائد، وضموا نعيمها إلى ما كانوا فيه في الدنيا من نعيم الوصلة بالله ثم لا يحصل لهم كدر ما أصلاً، وهي مأواهم لا يبغون عنها حولاً، وهذا في نظير ما زوي عنهم من الدنيا وضيق فيها عيشهم نفاسة منهم عنها حتى فرغهم لخدمته وألزمهم حضرته حباً لهم وتشريفاً لمقاديرهم ﴿والذين كفروا﴾ أي غطوا ما دل عليه العقل فعملوا لأجل كفرهم الأعمال الفاسدة المبعدة عن جناب الله ﴿يتمتعون﴾ أي ف يالدنيا بالملاذ لكونها ملاذ كما تتمتع الأنعام، ناسين ما أمر الله معرضين عن لقائه بل عن الموت أصلاً بل يكون ذكر الموت حاثاً لهم على الانهماك في اللذات مسابقة له جهلاً منهم بالله ﴿ويأكلون﴾ على سبيل الاستمرار ﴿كما تأكل الأنعام﴾ أكل التذاذ ومرح من أيّ موضع كان وكيف كان الأكل في سبعة أمعاء، أي في جميع بطونهم من غير تمييز للحرام من غيره لأن الله تعالى أعطاهم الدنيا ووسع عليهم فيها وفرغهم لها حتى شغلهم عنه هواناً بهم وبغضاً لهم لأنه علم حالهم قبل أن يوجدهم فيدخلهم ناراً وقودها الناس والحجارة ﴿والنار﴾ أي والحال أن ذات الحرارة العطمى والإحراق الخارج عن الحد ﴿مثوى﴾ أي منزل ومقام ﴿لهم *﴾ تنسيهم أول انغماسهم فيها كل نعيم كانوا فيه ثم لا يصير لهم نعيم ما أصلاً، بل لا ينفك عنهم العذاب وقتاً ما، فالآية من الاحتباك، ذكر الأعمال الصالحة ودخول الجنات أولاً دليلاً على حذف الفاسدة ودخول النار ثانياً،


الصفحة التالية
Icon