والتمتع والمثوى ثانياً دليلاً على حذف التعلل والمأوى أولاً، فهو احتباك في احتباك واشتباك مقارن لاشتباك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٥
ولما وعد سبحانه أنه ينصر من ينصره لأنه مولاه ويدخله دار نعمته، ويخذل من يعانده لأنه عاداه إلى أن يدخله دار شقوته، كان التقدير دليلاً على ذلك : فكأين من قوم هم أضعف من الذين اتبعوك نصرناهم على من كذبتهم، فلا خاذل لهم، فعطف عليه قوله :﴿وكأين﴾ ولما كانت قوة قريش في الحقيقة ببلدهم، وكان الإسناد إليها أدل على تمالؤ أهلها وشدة اتفاقهم حتى كأنهم كالشيء الواحد قال :﴿من قرية﴾ أي كذبت رسولها ﴿هي أشد قوة﴾ وأكثر عدة ﴿من قريتك﴾ ولما كان إنزال هذه بعد الهجرة، عين فقال :﴿التي أخرجتك﴾ أي أخرجك أهلها متفقين في أسباب الإخراج من أنواع الأذى
١٥٧
على كلمة واحدة حتى كأن قلوبهم قلب واحد فكأنها هي المخرجة - وهي مكة - كذبوك وآذوك حتى أخرجناك من عندهم لننصرك عليهم بمن أيدناك بهم من قريتك هذه التي آوتك من الأننصار نصراً جارياً على ما تألفونه وتعتادونه ﴿أهلكناهم﴾ بعذاب الاستئصال كما اقتضت عظتنا، وحكى حالهم الماضية بقوله :﴿فلا ناصر لهم *﴾.
ولما كان هذا دليلاً شهودياً بعد الأدلة العقللية على ما تقدم الوعد به، سبب عنه الإنكار عليهم فقال :﴿أفمن كان﴾ أي في جميع أحواله ﴿على بينة﴾ أي حالة ظاهرة البيان في أنها حق ﴿من ربه﴾ المربي المدبر له المحسن إليه بما يقيم من الأدلة التي تعجز الخلائق أجمع عن أن يأتوا بواحد منها فبصر سوء عمله وأريه على حقيقته فرآه سيئاً فاجتنبه مخالفاً لهواه، قال القشيري : العلماء في ضياء برهانهم والعارفون في ضياء بيانهم.
﴿كمن زين له﴾ بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه وخلقنا للآثار بأيسر أمر ﴿سوء عمله﴾ من شرك أو معصية دونه.