وأحسن منه أنه لما كان السياق للتعجب في ضرب المثل لأنه قول لا ينفك عن غرابة بدأ بأنهار الماء لغرابتها في بلادهم وشدة حاجتهم إليها، ولما كان خلوها عن تغير أغرب نفاه، ولما كان اللبن أقل فكان جريه أنهاراً أغرب، ثنى به، ولما كان الخمر أعز ثلث به، ولما كان العسل أشرفها وأقلها ختم به، ونبه - مع هذا التذكير متمحض للشرابية كالخمر وبعضها في غذائية وهي فيه أغلب، وهو العسل، وبعضها ينزع إلى كل منهما وهو اللبن كلها من الماء مع تمايزها مذاقاً وأثراً في الغذاء والدواء وغير ذلك، فإن لماء أصل النبات، ومن النبات يكون اللبن والخمر والعسل بما لا يخفى من الأسباب، وأما الآخرة فغنيه عن الأسباب لظهور اسمه الظاهر سبحانه هناك لأنه لا ابتلاء فيها، وبهذا فهم للترتيب سر آخر وهو أنه تعالى قدم الماء لأنه الأصل لها، وتلاه بأقرب الأشياء إليه في الشرابية والطبع : اللبن، ثم بما هو أقرب إلى اللبن من جهة أنه شراب فقط، ثم بالعسل لأنه أبعدها منه.
ولما كانت الثمار ألذ مستطاب بعد سائغ الشراب قال تعالى :﴿ولهم فيها﴾ ولما كان أهلها متفاوين في الدرجات فلا تجمع جنان أغلبهم جميع ما في الجنة من الثمار بعض فقال :﴿من كل الثمرات﴾ أي جميع أصنافها على وجه لا حاجة معه من قلة ولا انقطاع.
ولما كان العيش لا يطيب مع الإنصاف بما يوجب العتب، قال مشيراً إلى أنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره، لأن الرتب متضائلة عن رتبته سبحانه :﴿ومغفرة من ربهم﴾ أي المحسن إليهم بمحو ذنوبهم السالفة أعيانها وأثارها بحيث لا يخشون لها عاقبة بعقاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٨
لا عتاب وعدم بلوغهم إلى ما يحق له من الشكر سبحانه.


الصفحة التالية
Icon