ولما أرشد هذا السياق إلى أن التقدير : أفمن هو في هذا النعيم الأكبر المقيم، بنى عليه قوله :﴿كمن هو خالد﴾ أي مقيم إقامة لا انقطاع معها، ووحده لأن الخلود يعم من فيها على حد سواء ﴿في النار﴾ أي التي لا يطفأ لهيبها، لا يفك أسيرها ولا يؤنس عريبها.
ولما كان كل واحد من داخليها له سقي يخصه على حسب عمله ولا يظلم ربك أحداً.
كان المؤثر لضرهم السقي على الكيفية التي تذكر لا كونه من ساق معين، بني للمجهول قوله مسنداً إلى ضمير الجمع قوله تعالى :﴿وسقوا﴾ أي عوض ما ذكر من شراب أهل الجنة ﴿ماء حميماً﴾ أي في غاية الحرارة ﴿فقطع أمعاءهم *﴾ ويمكن أن
١٦١
تكون الآية من الاحتباك، وذلك أنه تعالى لما قدم أن المؤمنين في جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن الكافرين مأواهم النار، وكان التقدير إنكاره على من لم يرتدع للزواجر تنبيهاً على أن عمله عمل من يسوي بين الجنة والنار لأن كون النار جزاء لمثله والجنة جزاء المؤمن صار في حد لا يسوغ إنكاره : أمثل الجنة الموصوفة كمثل النار، ومن هوخالد في الجنة كمن هو خالد في النار - والله الموفق للصواب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٨
ولما كان التقدير بعد هذا التمثيل والوصف والتشويق الذي يبهر العقول : فمن الناس من يسمع منك بغاية المحبة والإنصاف فيعليه الله بفهم ما يتلوه واعتقاده والعمل به واعتماده وهم المتقون الذين وعدوا الجنة، عطف عليه قوله تعالى :﴿ومنهم من يستمع﴾ أي بغاية جهده لعله يجد في المتلو مطعناً يشك به على الضعفاء، وبين تعالى بعدهم بقوله :﴿إليك﴾ ولما أفرد المستمع نظراً إلى لفظ " من " إشارةإلى قلة المستمع جمع نظراً إلى معناه إشارة إلى كثرة المعرضين الجامدين المستهزئين من المستمعين منهم والسامعين فقال تعالى :﴿حتى﴾ أي واستمر إجهادهم لأنفسهم بالإصغاء حتى ﴿إذا خرجوا﴾ أي المستمعون والسامعون جميعاً ﴿من عندك قالوا﴾ أي الفريقان عمى وتعاميا واستهزاء.