ولما كان مجرد حصول العلم النافع مسعداً، أشار إلى تعظيمه ببنائه لما لم يسم فاعله فقال تعالى :﴿للذين أوتوا العلم﴾ أي بسبب تهيئة الله لهم بما آتاهم من صفاء الأفهام لتجردهم عن النفوس والحظوظ وانقيادهم لما تدعوا إليه الفطرة الأولى :﴿ماذا قال﴾ أي النبي ﷺ ﴿آنفاً﴾ أي قبل افتراقنا وخروجنا عنه من ساعة - أي أول وقت - تقرب منه، من أنفة الصلاة - بالتحريك، وهو ابتداؤها وأولها، قال أبو حيان : حال، أى مبتدئاً، أي ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه.
ورد كونه ظرفاً بأنه تفسير معنى، وأنه لا يعلم أحداً من النحاة عده في الظروف.
وقال البغوي : ائتنفت الأمر : ابتدأته، وأنف الشيء أوله، قال مقاتل : وذلك أن النبي ﷺ كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذاخرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه استهزاء : ماذا قال محمد ﷺ ؟ قال ابن عباس رضي الله عنه : وقد سئلت فيمن سئل.
١٦٢
ولما دل هذا من المصغي ومن المعرض على غاية الجمود الدال على غاية الشقاء، أنتج قوله :﴿أولئك﴾ أي خاصة هؤلاء البعداء من الفهم ومن كل خير ﴿الذين طبع الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا تناهي لعظمه جل وعلا ﴿على قلوبهم﴾ أي فلم يؤمنوا ولم يفهموا فهم الانتفاع لأن مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٢
ولما كان التقدير : إنهم ضلوا حتى صاروا كالبهائم، عطف عليه ما هو من أفعال البهائم فقال :﴿واتبعوا﴾ أي بغاية جهدهم ﴿أهواءهم *﴾ أي مجانبين لوازع العقل وناهي المروءة، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام ويقبلون على جمع الحطام، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية " مثل الجنة " بأنهم زين لهم سوء أعمالهم.


الصفحة التالية
Icon