ولما ذكر ما هم عليه وشنع عليهم أقبح الذكر، ذكر الذين آتاهم العلم فقال :﴿والذين اهتدوا﴾ أي اجتهدوا باستماعهم منك في مطاوعة داعي الفطرة الأولى إلى الوقوع على الهدى بالصدق في الإيمان والتسليموالإذعان بأنواع المجاهدات ﴿زادهم﴾ أي الله الذي طبع على قلوب الجهلة ﴿هدى﴾ بأن شرح صدورهم ونورها بأنوار المشاهدات فصارت أوعية للحكمة " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم " ﴿وآتاهم تقواهم *﴾ أي بين لهم ما هو أهل لأن يحذر ووفقهم لاجتنابه مخالفة للهوى، فهم القسم الأول من آية توطئة المثل ﴿الذين هم على بينة من ربهم﴾ ومعنى الإضافة أنه آتى كلاًّ منهم منها بحسب ما يقتضيه حاله، قال ابن برجان : التقوى عمل الإيمان كما ان أعمال الجوارح عمل الإسلام - انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٢
ولما كان أشد ما يتقى القيامة التي هم بها مكذبون، سبب عن اتباعهم الهوى قوله تعالى :﴿فهل ينظرون﴾ أي ينتظرون، ولكنه جرده إشارة إلى شدة قربها ﴿إلا الساعة﴾ ولما كان كأنه قيل : ما ينتظرون من أمرها ؟ أبدل منها قوله :﴿أن تأتيهم﴾ أي تقوم عليهم، وعبر بالإتيان زيادة في التخويف ﴿بغتة﴾ أي فجاءة من غير شعور بها ولا استعداد لها.
١٦٣
ولما دل ذلك على مزيد القرب، وكان مجيء علامات الشيء أجل على قربه مع الدلالة على عظمته، قال معللاً للبغتة :﴿فقد﴾ ودل على القوة بتذكير الفعل فقال :﴿جاء أشراطها﴾ أي علاماتها المنذرات بها من مبعث النبي ﷺ " بعثت أنا والساعة كهاتين " انشقاق القمر المؤذن بآية الشمس في طلوعها من مغربها وغير ذلك، وما بعد مقدمات الشيء إلا حضوره.