الأبصار، وهؤلاء المقول لهم هذا الكلام هم - والله أعلم - المصارحون بالكفر، قالوا لهم بعد هذه الأدلة من الإعجازات، وما تقدمها من الآيات البينات الواضحات :﴿سنطيعكم﴾ بوعد صادق لا خلق فيه ﴿في بعض الأمر﴾ وهو القتال في سبيل الله الذي تقدم أنهم عند نزول سورة يذكر بها يصيرون كالذي يغشى عليه من الموت، فأنتم في أمان من أن نقاتلكم أبداً، فإنا إنما أسلمنا للأمان على دمائنا وأموالنا، والذي نحبه مما ينزل هو التأمين لمن أقر بكلمة الإسلام والقناعة منه بالظاهر والوعد العام بالتبسط في البلاد والتوسعة فيالأرزاق ونحو ذلك، فكانوا بذلك كفرة فإن الدين لا يتجزأ، فمن أضع من أًوله شيئاً فقد أضاعه كله، والتقييد بالبعض يفهم أنهم لا يطيعونهم في البعض الآخر، وهو إظهار الإسلام والتصور بصورة المسالمة، وذلك كله بأن الله تعالى جبلهم جبلة هيأهمفيها لمثل هذا، فلما قالوه مضيعين لما من عليهم من غريزة العقل استحقوا في مجاري عاداتنا لاختيارهم طاعة العدو - مع تعييب علم العواقب عنهم - أن يخذلوا ويسلط عليهم ليكون أخذهم في الظاهر ممن أطاعوه في الباطن، ولو أنهم استمسكوا بدينهم وكانوا مع أهله يداً على من سواهم لم يقدر عليهم عدو، ولا طرقتهم طارقة يكرهونها سوء.
ولما كان من له أدنى عقل لا يخون إلا إذا ظن أن خيانته تخفي ليأمن عاقبتها، صور قباحة ما ارتكبوه فقال :﴿والله﴾ أي قالوا ذلك والحال أن الملك الأعظم المحيط بكل شيء علماً وقدرة ﴿يعلم﴾ على مر الأوقات ﴿إسرارهم *﴾ أي كلها هذا الذي أفشاه عليهم وغيره مما في ضمائرهم مما لم يبرز على ألسنتهم، ولعلهم لم يعلموه هم فضلاً عن أقوالهم التي تحدثت بها ألسنتهم فبان بذلك أنه لا أديان لهم ولا عقول ولا مروءات.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٩