بالمغفرة وما بعدها رمزاً إلى وفاة النبي ﷺ - بروحي هو وأبي وأمي - وإيماء إلى أن المراد من أخراجه إلى دار الفناء إنما هو إظهار الدين القيم وغزهاق الباطل لتعلوا درجته وتعظم رفعته، فعند حصول الفتح ثم المراد كما كانت سورة النصر الوالية للكافرين رامزية إلى ذلك كما هو مشهور ومذكور ومسطور، فالفتح الذي هو أحد العلامات الثلاث المذكورة كما يف سورة النصر على جميع المناوين، الذي هو السبب الأعظم في ظهور دينه على الدين كله الذي هو العلامة العظمى على اقتراب أجله - نفسي فداؤه وإنسان عيني من كل سوء وقاؤه - فقال تعالى :﴿ليغفر لك الله﴾ مشيراً بالانتقال من أسلوب العظمة بالنون إلى أسلوب الغيبة المشير إلى غاية الكبرياء بالإسناد إلى الاسم الأعظم إلى أن هذه المغفرة بحسب إحاطة هذا الاسم الجامع لجميع الأسماء الحسنى :﴿ما تقدم من ذنبك﴾ أي الذي تقدم في القتال أمرك بالاستغفار له وهو مما ينتقل به من مقام كامل إلى مقام فوقه أكمل منه، فتراه بالنسبة إلى أكملية المقام الثاني ذنباً، وكذا قوله :﴿وما تأخر﴾ قال الرازي : المغفرة المعتبرة لها درجات كما أن الذنوب لها درجات " حسنات الأبرار سيئات المقربين " انتهى.
ويجوز أن يكون المراد : لتشاهد المغفرة باللنقلة إلينا بعد علم اليقين بعين اليقين وحق اليقين، فالمعنى أن الله يتوفاه ﷺ عقب الفتح ودخول جميع العرب الذين يفتتحون جميع البلاد ويهيد الله بهم سائر العباد في دينه، ويأس الشيطان من أن يعبد في جزيرتهم إلا بالمحقرات لوجود المقصود من امتلاء الأكوان بحسناته ﷺ، وعموم ما دل عليه اسمه المذكور في هاتين السورتين من حمده تعالى بكماله في ذاته وصفاته ببلوغ أتباعه إلى حد لا يحصرون فيه بعد، ولا يقف لهم مخلوق على حد.


الصفحة التالية
Icon