ولما كان ﷺ المؤمنين برؤياه أنه يطوف بالكعبة الشريفة، وعز على العمرة عام الحديبية، وخرج ﷺ وخرج معه خلاصة أصحابه ألف وخمسمائة، فكانوا مؤقنين أنهم يعتمرون في وجههم ذلك، وقر ذلك في صدورهم وأشربته قلوبهم، فصار نزعه منها أشق شيء يكون، قصدهم المشركون بعد أن بركت ناقته وصالحهم ﷺ على أن يرجع عنهم في ذلك العام ويعتمر في مثل ذلك الوقت من القابل، وكان ذلك - بل أدنى منه - مزلزلاً للاعتقاد مطرقاً للشيطان الوسوسة كثير بسببه، قال تعالى دالاً على النصر بتثبيت المؤمنين في هذا المحل الضنك إظهاراً لتمام قدرته ولطيف حكمته :﴿هو﴾ أي وحده ﴿الذي أنزل﴾ في يوم الحديبية ﴿السكينة﴾ أي الثبات على الدين ﴿في قلوب المؤمنين﴾ أي الراسخين في الإيمان وهم أهل الحديبية بعد أن دهمهم فيها ما من شأنه أن يزعج النفوس ويزغ القلوب من صد الكفار ورجوع الصحابة رضي الله تعالى عنهم دون مقصودهم، فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن ماج الناس وزلزلوا حتى عمر رضي الله عنه - مع أنه الفاروق ومع وصفه في الكتب السالفة بأنه قرن من حديد - فما الظن بغيره في فلق نفسه وتزلزل قلبه، وكان للصديق رضي الله عنه من القدم الثانبت والأصل الراسخ ما علم به رضي الله عنه أنه لا يسابق، ثم ثبتهم الله أجمعين، قال الرازي : والسكينة الثقة بوعد الله، والصبر على حكم الله، بل السكينة ههنا معين بجمع فوزاً وقوة وروجاً، يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين، وأثر هذه السكينة الوقار والخشوع وظهور الحزم في الأمور - انتهى.
وكل من رسخ في الإيمان، له في هذه الآية نصيب جناه دان.


الصفحة التالية
Icon