ولما كان مبنى ما مضى كله على القدرة بأمور خفية يظهر منها من الضعف غير ما كشف عنه الزمان من القوة، وكان تمام القدرة متوقفاً على شمول العلم قال تعالى :﴿وكان الله﴾ أي الملك الأعظم أزلاً وأبداً ﴿عليماً﴾ بالذوات والمعاني ﴿حكيماً *﴾ في إتقان ما يصنعن فرده لهم عن هذه العمرة بعد أن بدر أمر الصلح ليأمن الناس فيداخل بعضهم بعضاً لما علم من أنه لا يسمع القرآن أحد له عقل مستقيم ويرى ما عليه أهله من شدة الاستمساك به والبغض لما كانوا فيه من متابعة الآباء إلا بدار إلى المتابعة ودخل
١٨٩
في الدين برغبة، وأدخل سبحانه خزاعة في صلح النبي ﷺ وبني بكر وهم أعداؤهم في صلح قريش ليبغوا عليهم فتعينهم قريش الصلح بعد أن كثرت جنود الله وعز ناصر الدين، فيفتح الله بهم مكة المشرفة، فتنشر أعلام الدين، وتخفق ألوية النصر المبين، ويدخل الناس في الدين أفواجاً، فظيهر دين الإسلام على جميع الأديان.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٣
ولما دل على التفح بالنصر وما معه، وعلل الدين بالسكينة، علل علة الدليل وهي ﴿ليزدادوا إيماناً﴾ وعلل ما دل عليه ملك الجنود من تدبيرهم وتدبير الأكوان بهم بقوله تعالى زيادة في السكينة :﴿ليدخل﴾ أي بما أوقع في السكينة ﴿المؤمنين والمؤمنات﴾ الذين جبلهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين، ولو سلط على الكفار جنوده من أو لاأمر فأهلكوهم أو دمر عليهم بغير واسطة لفات دخول أكثرهم الجنة، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية ﴿جنات﴾ أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك ﴿تجري﴾ ودل وقرب وبعض بقوله :﴿من تحتها الأنهار﴾ فأي موضع أردت أن تجري منه نهراً قدرت على ذلك، لأن الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها.
ولما كان الماء لا يطيب إلا بالقرار تعالى :﴿خالدين فيها﴾ أي لا إلى آخر.


الصفحة التالية
Icon