ولما أخبر سباحنه وتعالى بعذابهم فسره بقوله :﴿عليهم﴾ أي في الدنيا والآخرة بما يخزيهم الله به من كثرة جنوده وغيظهم منهم وقهرهم بهم ﴿دائرة السوء﴾ التي دبروها وقدروها للمسلمين لا خلاص لهم منها، فهم مخذولون في كل موطن خذلاناً ظاهراً يدركه كل أحد، وباطناً يدركه من أراد الله تعالى من أرباب البصائر كما اتفق في هذه العمرة، والسوء - بالتفح والضم : ما يسوء كالكره إلا أنه غلب في إن يضاف إلى ما يراد ذمه، ولمضموم جار مجرى الشر الذي هو ضد الخير - قاله في الكشاف.
ولما كان من دار عليه السوء قد لا يكون مغضوباً عيه، قال :﴿وغضب الله﴾ أي الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه ﴿عليهم﴾، وهو عبارة عن أنه يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به.
ولما كان الغضب قد لا يوجب الإهانة والإبعاد قال :﴿ولعنهم﴾ أي طردهم طرداً سفلوا به أسفل سافلين، فبعدوا به عن كل خير.
ولما قرر ما لهم في الدارين، وكان قد يظن أنه يخص الدنيا فلا يوجب عذاب الآخرة، أتبعه بما يخصها فقال :﴿وأعد﴾ أي هيأ الآن ﴿لهم جهنم﴾ تلقاهم بالعبوسة والغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب بالحر والبرد والإحراق، وغير ذلك من أنواع المشاق.
ولما كان التقدير : فساءت معداً، عطف عليه قوله :﴿وساءت مصيراً *﴾.
ولما كان هذا معلماً بأن الكفار - مع ما يشاهد منهم من الكثرة الظاهرة والقوة المتضافرة المتوافرة - لا اعتبار لهم لأن البلاء محيط بهم في الدارين، وكان ذلك أمراً يوجب تشعب الفكر في المؤثر فيهم ذلك، عطف على ما تقديره إعلاماً بأن التبدبير على هذاالوجه لحكم ومصالح يكل عنها الوصف، ودفعاً لما قد يتوهمه من لم يرسخ إيمانه مما يجب التنزيه عنه : فللّه القوة جميعاً يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير سبب ترونه :﴿ولله﴾ أي الملك الأعظم ﴿جنود السماوات والأرض﴾ فهو يسلط ما يشاء منها على من يشاء.
١٩١