كلاًّ منهم تقبل منه الجزية، وتأويله بأنه إسلام لغوي لا داع له مع إمكان الحقيقة، وقد كان ما أشار إليه التقسيم فإنهم لما دعوا إليهم انقسموا إلى مجيب وهم الأكثر، وقد آتاهم الله الأجر الحسن في الدنيا بالغنيمة والذكر الجميل وهو المرجو في الآخرة، ومرتد وهم قليل وقد أذاقهم الله العذاب الأليم في الدنيا بالقتل على أقبح حال، وهو يذيقهم في الآخرة أعظم النكال، وأما قتال غي العرب فأطاع فيه الكل ولم يحصل فيه ما أشير إليه من التقسيم، فتحقق بهذا أنهم أهل الردة - والله الموفق، ولذلك سبب عن دعوة الحق قوله مردداً القول في حالهم مبهماً له إشارة إلى أنهم عند الدعاء ينقسمون إلى مقبل ومتول :﴿فإن تطيعوا﴾ أي توقعوا الطاعة للداعي إلى ذلك، وهو أبو بكر رضي الله عنه ﴿يؤتكم الله﴾ أي الذي له الإحاطة والقدرة على الإعطاء والمنع، لا راد لأمره ﴿أجراً حسناً﴾ دنيا وأخرى، جعل الله طاعة أبي بكر رضي الله عنه في هذا الأمر بالخصوص كطاعة رسول الله ﷺ الذي طاعته طاعة الله، جزاء له على خصوصه في مزيد تسليمه لما فعله النبي ﷺ من الصلح وثباته بما أجاب به عمر رضي الله عنهما بمثل جواب النبي ﷺ من غير أن يكون حاضراً له كما هو معلوم من السيرة.
ولما كانت مخالفة الرسول ﷺ ومن يقوم مقامه لا تكون إلا من منازعة في الفطرة الأولى ومعالجة لها، عبر بالتفعل فقال :﴿وإن تتولوا﴾ عن قبول دعوته عصياناً ﴿كما توليتم﴾ أي عالجتم أنفسكم وكلفتموها التولي بالتخلف عن الرسول ﷺ ﴿من قبل﴾ أي بعض الأزمان التي تقدمت على هذا الدعاء، وذلك في الحديبية ﴿يعذبكم﴾ أي يخالطكم بعقوبة تزيل العذوبة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما ﴿عذاباً أليماً *﴾ لأجل تكرر ذلك منكم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٠١


الصفحة التالية
Icon