حالهم إعلاماً أنها سارة معجبة شديدة الرسوخ في الرضى فقال :﴿يبايعونك﴾ في عمرة الحديبية لما صد المشركون عن الوصول إلى البيت، فبعثت عثمان رضي الله عنه إليهم ليخبرهم بأنك لم تجىء لقتال وإنما جئت للعمرة، فبلغك أنهم قتلوه فندبت إلى البيعة لمناجزتهم فبايعك كل من كان معك على أن لا يفروا لتناجز بهم القوم ؛ وزاد الأمر بياناً وقيده تفضيلاً لأهل البيعة بقوله :﴿تحت الشجرة﴾ واللام للعهد الذهني، وكانت شجرة في الموضع الذي كان النبي ﷺ نازلاً به في الحديبية، ولأجل هذا الرضى سميت بيعة الرضوان، وروى البغوى من طريق الثعلبي عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ".
ولما دل على إخلاصهم بما وصفهم، سبب عنه قوله :﴿فعلم﴾ أي لما له من الإحاطة ﴿ما في قلوبهم﴾ أي من مطابقته لما قالوا بألسنتهم في البيعة، وأن ما حصل لبعضهم من الاضطراب في قبول الصلح والكآبة منه إنما هو لمحبة الله ورسوله ﷺ وإيثار ما يريد من إعلاء دينه وإظهاره لا عن شك في الدين، وسبب عن هذا العلم ترغيباً في مثل هذا المحدث عنهم قوله :﴿فأنزل السكينة﴾ أي بثبات القلوب وطمأنيتها في كل حالة ترضي الله ورسوله، ودل على عظمها بحيث إنها تغلب الخوف وإن عظم بقوله :﴿عليهم﴾ فأثر ذلك أنهم لم يخافوا عاقبة القتال لما ندبوا إليه وإن كانوا في كثرة الكفار كالشعرة لبيضاء في جنب الثور الأسود، لا أثر الصلح بما يتراءى فيه من الضعف وغيره من مخايل النقص في قلوبهم في ذلك المقام الدحض والمواطن الضنك إلا ريثما رأوا صدق عزيمة الرسول ﷺ ومضى أمره في ذلك بما يفعل ويقول.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٠٣


الصفحة التالية
Icon