ولما كان هذا عاماً لجميع من اتصف بالكفر من أهل الأرض، صرح بما دل عليه السياق فقال :﴿منهم﴾ أي الفريقين وهم الصادون ﴿عذاباً أليماً *﴾ أي شديد الإيجاع بأيديكم أو من عندنا لنوصلكم إلى قصدكم من الاعتمار والظهر على الكفار، ففيه اتعذار وتدريب على تأدب بعضهم مع بعض، وفي الإشارة إلى بين سر من أسرار منع الله تعالى لهم من التسليط عليهم حث للعبد على أن لا يتهم الله في قضائه فربما عسر عليه أمراً يظهر له أن السعادة كانت فيه وفي باطنه سم قاتل، فيكون منع الله له منه رحمة في الباطن وإن كان ننقمة في الظاهر، فألزم التسليم مع الاجتهاد في الخير والحرص عليه والندم على فواته وإياك والاعتراض، وفي الآية أيضاً أن الله تعالى قد يدفع عن الكافر لأجل المؤمن.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٠٦
٢١٠
ولما بين شرط استحقاقهم للعذاب، بين وقته، وفيه بيان لعلته، فقال :﴿إذ﴾ أي حين ﴿جعل الذين كفروا﴾ أي ستروا ما تراءى من الحق في مرأى عقولهم ﴿في قلوبهم﴾ أي قلوب أنفسهم ﴿الحمية﴾ أي المنع الشديد والأنفة والإباء الذي هو في شدة حره ونفوذه في أشد الأجسام كالسم والنار، ولما كان مثل هذه الحمية قد تكون موجبة للرحمة بأن تكون لله، قال مبيناً معظماً لجرمها، ﴿حمية الجاهلية﴾ التي مدارها مطلق المنع أي سواء كان بحق أو بباطل، فتمنع من الإذعان للحق، ومبناها التشفي على مقتضى الغضب لغير الله فتوجب تخطي حدود الشرع، ولذلك أنفوا من دخول المسلمين مكة المشرفة لزيارة البيت العتيق الذي الناس فيه سواء، ومن الإقرار بالبسملة، فأنتجت لهم هذه الحمية أن تكبروا عن كلمة التقوى وطاشوا وخفوا إلى الشرك الذي هو أبطل الباطل.