ولما كان للنظر إلى الرؤيا اعتباران : أحدهما من جهة الواقع وهو غيب عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين : والآخر من جهة الإخبار وهو مع الرؤيا شهادة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، عبر بالصدق والحق فقال تعالى :﴿صدق الله﴾ أي الملك الذي لا كفوء له المحيط بجميع صفات الكمال ﴿رسوله﴾ ﷺ الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الإخبار عما لا يكون أنه يكون، فكيف إذا كان المخبر رسوله ﴿الرؤيا﴾ التي هي من الوحي لأنه سبحانه يرى الواقع ويعلم مطابقتها في أنكم تدخلون المسجد الحرام آمنين يحلق بعض ويقصر آخرون، متلبساً خبره ورؤيا رسوله ﷺ ﴿بالحق﴾ لأن مضمون الخبر إذا وقع فطبق بين الواقع وبينه، وكان الواقع يطابقه لا يخرم شيء منه عن شيء منه، والحاصل أنك إذا نسبتها للواقع طابقته فكان صدقاً، وإذا نسبت الواقع إليها طابقها فكانت حقاً.
ولما أقسم لأجل التأكيد لمن كان يتزلزل، أجابه بقوله مؤكداً بما يفهم القسم أيضاً
٢١٢
إشارة إلى عظم الزلزال.
﴿لتدخلن﴾ أي بعد هذا دخولاً قد تحتم أمره ﴿المسجد﴾ أي الذي يطاف فيه باكلعبة ولا يكون دخوله إلى بدخول الحرم ﴿الحرام﴾ أي الذي أجاره الله من امتهان الجبابرة ومنعه من كل ظالم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢١٠
ولما كان لا يجب عليه سبحانه وتعالى شيء وإن وعد به، أشار إلى ذلك بقوله تأديباً لهم أن يقول منهم بعد ذلك : ألم يقل أننا ندخل البيت ونحو ذلك، ولغيرهم أن يقول : نحن ندخل :﴿إن شاء الله﴾ أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال، حال كونكم ﴿آمنين﴾ لا تخشون إلا الله منقسمين بحسب التحليق والتقصير إلى قسمين ﴿محلقين رءوسكم﴾ ولعله أشار بصيغة التفعيل إلى أن فاعل الحق كثير، وكذا ﴿ومقصرين﴾ غير أن التقديم يفهم أن الأول أكثر.


الصفحة التالية
Icon