ولما شمل هذا كل جهر مخصوص، وهو ما يكون مسقطاً للمزية، قال :﴿كجهر بعضكم لبعض﴾ أي فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق بين النبي ﷺ وبين غيره.
ولما نهى عن ذلك، بين ضرره فقال مبيناً أن من الأعمال ما يحبط ولا يدرى أنه محبط، ليكون العامل كالماشي في طريق خطر لايزال يتوقى خطره ويديم حذره :﴿أن﴾ أي النهي لأجل خشية أن ﴿تحبط﴾ أي تفسد فتسقط ﴿أعمالكم﴾ أي التي هي الأعمال بالحقيقة وهي الحسنات كلها ﴿وأنتم لا تشعرون﴾ أي بأنها حبطت، فإن ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخف به وإذا استف به واظب عليه، وإذا واظب عليه أوشك أن يستخف بالمخاطب فيكفر وهو لا يشعر.
ولما تقدم سبحانه في الإخلاء بشيء من حرمته ﷺ ونهى عن رفع الصوت والجهر الموصوف، أنتج المخافة عنده على سبيل الإجلال، فبين ما لمن حافظ على ذلك الأدب العظيم، فقال مؤكداً لأن في المنافقين وغيرهم من يكذب بذلك، وتنبيهاً.
٢٢٣
على أنه لمحبة الله له ورضاه به أهل لأن يؤكد أمره ويواظب على فعله :﴿إن الذين يغضون﴾ أي يخفضون ويلينون لما وقع عليهم من السكينة من هيبة حضرته، قال الطبري : وأصل الغض الكف في لين ﴿أصواتهم﴾ تخشعاً وتخضعاً ورعاية للأدب وتوقيراً.
ولما كان المبلغ ربما أنساه اللغط ورفع الأصوات ما كان يريد أن يبلغه " إنه بينت لي ليلة القدرة فخرجت لأخبركم بها فتلاحى رجلان فأنسيتها وعسى أن يكون خيراً لكم " قال :﴿عند رسول الله﴾ أي الذي من شأنه أن يعلو كلامه على كل كلام، لأنه مبلغ من الملك الأعظم وعبر بعند التي للظاهر إشارة إلى أن أهل حضرة الخصوصية لا يقع منهم إلا أكمل الأدب.