ولما كان الإضمار هنا ربما أوهم لبساً فتمسك به متعنت في أمر فساد، أزال بالإظهار كل لبس فقال :﴿فقاتلوا﴾ أي أوجدوا واطلبوا مقاتلة ﴿التي﴾.
ولما كان القتال لا يجوز إلا بالاستمرار على البغي، عبر بالمضارع إفهاما لأنه متى زال البغي ولو بالتوبة من غير شوكة حرم القتال فقال :﴿تبغي﴾ أي توقع الإرادة وتصر عليها، وأديموا القتال لها ﴿حتى تفيء﴾ أي ترجع مما صارت إليه من جر القطيعة الذي كأنه حر الشمس حين نسخه الظل إلى ما كانت فيه من البر والخير الذي هو كالظل الذي ينسخ الشمس، وهو معنى قوله تعالى :﴿إلى أمر الله﴾ أي التزام ما أمر به الملك
٢٣٠
الذي لا يهمل الظالم، بل لا بد أن يقاصصه وأمره ما كانت عليه من العدل قبل البغي.
ولما كانت مقاتلة الباغي جديرة بترجيعه، أشار إلى ذلك بقوله :﴿فإن فاءت﴾ أي رجعت إلى ما كانت عليه من التمسك بأمر الله الذي هو العدل ﴿فأصلحوا﴾ أي أوقعوا الإصلاح ﴿بينهما﴾.
ولما كان الخصام يجر في الغالب من القول والفعل ما يورث للمصلحين إحنة على بعض المتخاصمين، فيحمل ذلك على الميل مع بعض على بعض، قال :﴿بالعدل﴾ ولا يحملكم القتال على الحقد على المقاتلين فتحيفوا.
ولما كان العدل في مثل ذلك شديداً على النفوس لما تحملت من الضغائن قال تعالى :﴿وأقسطوا﴾ أي وأزيلوا القسط - بالفتح وهو الجور - بأن تفعلوا القسط بالكسر وهو العدل العظيم الذي لا جور فيه، في ذلك وفي جميع أموركم، ثم علله ترغيباً فيه بقوله مؤكداً تنبيهاً على أنه من أعظم ما يتمادح به، وردّاً على من لعله يقول : إنه لا يلزم نفسه الوقوف عنده إلا ضعيف :﴿إن الله﴾ أي الذي بيده النصر والخذلان ﴿يحب المقسطين *﴾ أي يفعل مع أهل العدل من الإكرام فعل المحب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٢٩


الصفحة التالية
Icon